لفظة الوطن مقدسة عند الروسي، ولكنه يعتبر أن الوطن هو الدين الأورثوذكسي، ومع أن روح التعصب تشتم من هذا التعبير، ولكنه لا يعبأ بذلك، بل يعتقد اعتقادا راسخا في نفسه أن كل تغيير في الدين ولو في بعض الطقوس يعتبر خيانة شنعاء، وسقوطا للنفس، وخرابا للوطن. فالروسي يفهم الوطن غير ما يفهمه الآخرون، فهو في نظره عبارة عن الكنيسة وجميع ملحقاتها، وبناء على ذلك فإن مالوروسيا (روسيا الصغرى) هاجمت ضد بولونيا؛ لأنها مست إحساسات أهلها الدينية، وانضمت بعد ذلك إلى موسكو، وبوجه الإجمال فإن الروسيين يحافظون على دينهم محافظتهم على نفوسهم؛ ولذلك فهم حماة الأورثوذكسية في روسيا، وفي الشرقين الأقصى والأدنى وفي أميركا وجميع أنحاء العالم.
صاحب السمو الملوكي ولي العهد
وصاحبات السمو كريمات القيصر والقيصرة.
حياة الكنيسة والمعارف اللاهوتية على عهد ملك آل رومانوف
قضت الكنيسة عهدا محزنا في أواخر القرن السادس عشر، قبيل عهد الاضطرابات الثقيل؛ فقد كثرت الهرطقات واشتد ضغط الغرب لدرجة قصوى، وكانت المدارس ومعاهد العلم مصدرا لكل هرطقة وفساد، وقد قفلت المدارس الروسية، وما كان رجال الدين يستطيعون قراءة الكتب الكنائسية علنا، والشعب كان يرزح تحت أعباء الجهل المطبق، حتى إنه قل من كان يعرف منه دستور الإيمان أو أبانا الذي.
وفي جهات روسيا الجنوبية الغربية، حيث انتشرت سلطة الجزويت الذين نشروا الكثلكة بالقوة، كان رجال الدين الأورثوذكسي يسامون صنوف العذاب والهوان؛ فقد اضطهدهم وطردهم كهنة الجزويت، وكانوا يجلدونهم بالسياط كما يجلدون الفلاحين، وأما جهل الشعب في هذه الجهة وانحطاطه، فحدث عنه ولا حرج. أما الكنائس الأورثوذكسية، فإن أكثرها تحول إلى كنائس كاثوليكية، وبعضها أجر لليهود، فكان المستأجر اليهودي يحفظ لديه مفاتيح الكنيسة، ويتقاضى أجرة معينة على كل مرة يفتح فيها أبواب الكنيسة لإقامة الخدمة الإلهية، هذا فضلا عن أنه كان يتهكم مع أبناء جنسه على الخدمة الدينية.
إن زمن انتشار سلطة البولونيين وانحطاط الحالة الاقتصادية في زمن الاضطراب والمشاغب، زادا في حرج المسألة، وفي انحطاط الكنيسة إلى درجة محزنة، وانحطاط المدارس الدينية والعلوم اللاهوتية. وحسبنا الآن أن نقابل ذلك الماضي المؤلم التعيس بهذا الحاضر المفرح السعيد، حتى نعلم ذلك الشوط الواسع من النجاح الذي قطعته الكنيسة في عهد آل رومانوف.
ومن عهد جلوس ملوك رومانوف على عرش الملك، ابتدأ دور الاهتمام بإعلاء شأن التعليم الديني وحياة الكنيسة، ويجب أن نفهم أنه لم يكن من السهل القيام بهذا العمل العظيم، لا سيما في ذلك الوقت الذي كانت عصابات البولونيين والقوازق والليتفيين يطوفون جميع أنحاء المملكة، يعيثون بها فسادا، وينهبون الأديرة والحلل الكنائسية والأواني المقدسة، ويجردون الأيقونات من الحجارة الكريمة المزدانة بها.
إن سلطة البطركية - وبالإجمال السلطة الروحية - ارتفعت حالا على أثر ارتقاء والد أول ملك من ملوك آل رومانوف على كرسي البطركية، وهو البطريرك فيلاريت. وعلى عهد الملك ميخائيل ثيودورفيتش ارتفع شأن البطركية لدرجة قصوى، لا تطلب زيادة لمستزيد، حتى إن البطريرك أحرز لقب الملك الأعظم، وكان يحضر المجالس التي يعقدها الملك، ويحضر أيضا الجمعيات العمومية، وكان لرأيه المقام الأول.
وعلى عهد البطريرك فيلاريت أنشئت مدرسة دينية في مدينة موسكو لتعليم العلوم اللاهوتية باللغتين اليونانية واللاتينية القديمتين. وفي عام 1682 تولد مشروع إنشاء أكاديميا لاهوتية، واستدعى للتعليم فيها أساتذة يونانيون.
Unknown page