Tarbiya Wa Taclim Fi Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Genres
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . ومنهم من قال إن أهداف الإسلام من التعليم هي أهداف دينية ودنيوية معا؛ فإن الدين الإسلامي لا يمنع أهله من الإفادة مما في الكون من ملاذ ومتع ومن توجيه العقل إلى اكتساب المال بالطرق المشروعة من تجارة وصناعة وزراعة، وما إلى ذلك مما وردت في حله وإباحته الآيات والأحاديث النبوية. ومنهم من قال إن وراء الهدفين الديني والدنيوي هدفا ثالثا، وهو هدف اللذة الروحية من العلم، وذلك الهدف هو الذي يدفع صاحبه إلى التعلم والبحث لا لشيء سوى البحث والتعلم لذاتهما مكتفيا بلذة البحث عن الحقيقة والتفتيش عن دفائن المعرفة. وقد تعرض الأساتذة خليل طوطح وأسماء حسن فهمي والأهواني إلى مناقشة هذه المسألة بإسهاب، وأكتفي هنا بإيراد ما قاله الدكتور الأهواني؛ فإنه أحصى القول فيه وعلق عليه ووصل فيه إلى نتيجة طيبة؛ حيث يقول في فصل عنوانه «مناقشة الغرض من التعليم»: «لم يذكر القابسي من الأغراض التي يبتغيها الإنسان حين يتعلم إلا الغرض الديني، وقد ذكر الأستاذ خليل طوطح أن التعليم عند المسلمين كان يرمي إلى أربعة أغراض : غرض ديني، وغرض اجتماعي، والتذاذ عقلي، وغرض مادي. وقسمت أسماء فهمي أغراض التعليم إلى ثلاثة أقسام: غرض ديني، وغرض عقلي وثقافي، وغرض نفعي.
180
وكلاهما يأخذ هذه الأغراض من شتى الكتب العربية، مثل «تعليم المتعلم» للزرنوجي، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر، و«إحياء العلوم» للغزالي، و«كشف الظنون» لحاجي خليفة، و«مفتاح السعادة» لطاش كبري زاده، و«رسائل إخوان الصفاء» ... والرأي عندنا أنه لا توجد أغراض للتربية عند العرب على وجه الإطلاق، وإنما يجب أن نذكر صاحب المذهب ثم نذكر الغرض من التعليم الذي يلائم المذهب؛ فطريقة التعليم مستمدة من مذهب صاحبها.
والغرض من التعليم عند القابسي - وهو من فقهاء أهل السنة - غرض ديني يقصد منه تعليم القرآن ومعرفة العبادات المفروضة. وقد أوجزنا القول في حقل آخر عن التربية عند العرب وعرضنا هذه المذاهب المختلفة لنبين أن الاختلاف في أغراض التعليم ووسائله عند المسلمين إنما يرجع إلى اختلاف هذه المذاهب العقلية ...»
181
وقال في فصل آخر عنوانه «آراء المسلمين في التربية والتعليم»: «... ونحن نرمي من هذا الغرض أن نبين أمورا ثلاثة؛ الأول: أن المستشرقين الذين كتبوا في التربية الإسلامية - ومن تبعهم من المؤلفين في الشرق - درجوا على تقرير آراء معينة في التعليم، قالوا عنها إنها آراء المسلمين أو العرب فيما يختص بأغراض التعليم ومناهجه وطرقه وأصوله. وهذا التعميم خطأ؛ لأن أمور التعليم اختلفت باختلاف الأقاليم واختلاف الأشخاص القائمين عليها ... والثاني: أن الآراء التعليمية لمفكر ما وحدة متماسكة في ذهن صاحبها؛ فقد يذكر منهجا خاصا يلائم الغرض من التعليم الذي يذهب إليه وكذلك طريقة التعليم التي سلكها في تحقيق ذلك المنهج؛ فلا يصح أن ننقل جزءا من مذهب مفكر في التعليم ونترك سائر ما ذكره. والثالث: أننا نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إن مذهب المفكر في التعليم جزء أو صدى لمذهبه العام في الحياة أو فلسفته؛ إذ كانت الفلسفة هي النظر الشامل للحياة، وقد التزمنا هذه المنهج في بحثنا ...»
182
ثم عرض إلى رأي القابسي، فرأي إخوان الصفا، فرأي ابن سينا ، فرأي الغزالي، فالزرنوجي، فابن عبد البر، وختم برأي ابن خلدون. ولا نريد إطالة البحث ببيان آراء هؤلاء ها هنا مفصلة، وإنما نريد أن نقول إن من يدقق في دراسة آرائهم لمعرفة أهداف المسلمين من التعليم يرى أن أهدافهم كانت ثلاثة: دينية، ودنيوية، وعلمية. أما القول بأن التعليم إنما كان له هدف واحد كما ذهب إليه القابسي والأهواني
183
فهو قول المتزمت المبالغ؛ فقد روى ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» كلمة رائعة لعبد الملك بن مروان يوصي بها بنيه، وهي قوله: «يا بني تعلموا العلم، فإن استغنيتم كان لكم جمالا، وإن افتقرتم كان لكم مالا ...»
Unknown page