Tarbiya Wa Taclim Fi Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Genres
الدور الثانوي:
ويدرس فيه الفتى بمعهد ثانوي ملحق بالكنيسة أو الكاتدرائية، ويتلقى فيه تعاليم الدين ومبادئ اللغة اللاتينية وآدابها وبعض مباحث الفلسفة المسيحية التي تؤهله أن يكون من رجال الدين. (ج)
الدور العالي:
ويدرس الطالب في مدرسة الكاتدرائية أو الكنيسة مباحث اللاهوت وعلوم اللغة والآداب والفلسفة وعلوم الطبيعة والرياضيات والتاريخ الكنسي؛ بحيث يصبح المتخرج قسيسا عالما بالدين. وقد انقسمت الأساليب الدراسية في هذه المعاهد إلى طرائق عديدة، أشهرها البندكتية والفرنسيسكانية والدومينيكية.
هذه صورة مجملة لما كان عليه الوضع الثقافي للأطفال والشبان لدى الفرس واليونان والرومان في بلادهم وفي الديار الخاضعة لنفوذهم في الشام ومصر منذ العصور القديمة إلى أن فتح المسلمون ديارهم.
فلما فتح الله على العرب تلك الديار كانت الثقافة فيها مضطربة تبعا للاضطراب السياسي الذي كانت عليه البلاد؛ فقد تدهورت البلاد سياسيا، وعمتها الفوضى، وانحطت الثقافة وانصرف الناس إلى الكسل ومتع الحياة عن الحزم والجد. وعلى الرغم من أن المسيحية أرادت إحياء النفوس وتطهيرها من الجهالة والفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي، فإنها لم تستطع ذلك، وقد رأى زعماء الكنيسة أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام تيار الفلسفة الإغريقية الوثنية المادية إلا بالتسلح بالأدلة العقلية والفلسفة المنطقية لمحاربة أولئك الماديين. وكانت «جامعة الإسكندرية» مركزا من مراكز تلك الحركة الاصطلاحية. وعلى الرغم من أن المسيحية في أيامها الأولى قد انزوت عن الحكومة ولم يكن بينها وبين الدولة صلات قوية، فإنها اضطرت - حين وجدت انهيار الحكومة - أن تدخل في المعترك وأصبحت دولة ضمن دولة، ولمع من أقطاب الكنيسة وأحبارهم قوم تداخلوا في السياسة محاولين بسط نفوذهم على كل مرافق الحياة وإصلاح ما يمكن إصلاحه في الدولة. وقد اعتبر بعض المسيحيين الزاهدين في الدنيا والمنصرفين عن أمور السياسة وفتنها، والمعتقدين بأن هذا العالم كله شرور وآثام؛ أن إقدام هؤلاء الأقطاب والأحبار أمر غير محمود العاقبة، فانزووا في الديارات والصوامع لاجئين إلى الصحاري والقفار، ناجين بأنفسهم عن معترك السياسة ورذائل الحياة الدنيا؛ بهذا العمل ظهرت الرهبنة في المسيحية في الشرق ثم انتقلت منه إلى الغرب في أوائل القرن الرابع للميلاد.
والمسيحية منذ ظهرت وجدت نفسها أمام ثقافة وثنية غنية من آداب اليونان والرومان وفنونهم وعلومهم ولغتهم؛ فأخذت تعد العدة لخلق ثقافة رفيعة وتعليم سام، ولكنها لم تجد بدا - كما قلنا - من اصطناع بعض أصول الثقافتين الوثنيتين لغناهما الأدبي واللغوي والعقلي. وقد افتتحت المسيحية عددا كبيرا من المدارس لتعليم شبان المسيحيين في الكنائس والأديرة في الشرق والغرب، وكانت هذه المدارس هي النواة التي سمقت منها دوحة العلم في الغرب فيما بعد، وكانت مناهج تلك المدارس مزاجا من علوم الدين والدنيا إلا أن الروح الديني مسيطر عليها. وقد اقتبست هذه المدارس كثيرا من قواعد التعليم ومواده عن اليونان والرومان، والشيء الوحيد الجديد الذي انفردت به هو أنها ألزمت الطلاب بالدراسة في مكان معين وعلى أستاذ معين بعد أن كان الطلاب لدى اليونان والرومان أحرارا في اختيار أساتذتهم وأحرارا في التنقل من مكان إلى آخر. وقديما كان الشاب يتلقى قواعد اللغة وأدبها من أستاذ، ثم يتلقى الموسيقى والرقص من أستاذ آخر، ويتلقى الخطابة والفصاحة من أستاذ ثالث ينتخبه. أما المدرسة المسيحية في الدير أو الكنيسة فقد كانت من نمط آخر يدرس الطالب فيها على أستاذ بعينه ويلازمه فيتخلق بكثير من أخلاقه ويتطبع بطابعه الروحي والخلقي والمعاشي. ثم إن هناك فرقا آخر بين الطالب المسيحي والطالب الوثني؛ فالأول طالب يدرس لتسمو روحه وتصقل شخصيته بصقال إلهي ويتفلسف فلسفة دينية سماوية، أما الثاني فطالب يدرس ليصقل عقله ويجمل جسمه وتنمو معلوماته بالحياة ويتعرف على ماهية الكون ويتفلسف فلسفة اجتماعية ترفع قدره بين أترابه ومواطنيه.
179
والخلاصة أن المسيحية جاءت بنمط جديد حين ربطت التعليم بالكنيسة والدير، وهي وإن أحسنت من ناحية فقد أفسدت من ناحية أخرى؛ أما الناحية التي أحسنت فيها فهي أنها نظمت شئون التعليم وهيأت له الأمكنة الصالحة، وسارت به في طريق صحيحة مستقيمة، وأما الناحية التي أفسدت فيها فهي أنها ضيقت نظام التعليم وجعلته مقصورا على طبقة الكهنوت ومن يتصل بها بعد أن كان التعليم قبلا عاما لجميع أفراد الشعب. وسير التعليم في الإسلام يشبه سيره في المسيحية؛ فقد كان التعليم كما رأينا في صدر الإسلام يهدف إلى تعليم القرآن وما إليه، وكانت المساجد هي المركز الأول الذي احتضن التعليم، إلا أن الفرق بين الإسلام والنصرانية في هذا أن الإسلام جعل التعليم لكافة الناس، أما النصرانية فإنها تفرضه على طبقة رجال الكهنوت، وفي هذا دليل على أن الإسلام لم يقتبس نظام الكتاتيب من المدارس المسيحية والأديرة أو الكنائس، كما قال بعض الباحثين من المستشرقين؛ فقد رأينا أن الفرق واضح بين «المدرستين » الإسلامية والمسيحية، ثم إن التعليم الإسلامي نشأ مع الإسلام نفسه وتطور بتطوره؛ فقد كان بسيطا سمحا في عصر الرسول وخلفائه ثم تعاظم في العصر الأموي وبلغ درجة الكمال في العصر العباسي وفقا لسنة النشوء والارتقاء. (3-2) أهداف التعليم عند المسلمين
اختلف المؤلفون المسلمون وغير المسلمين في بيان الأهداف التي قصد إليها الإسلام من وراء حضه على العلم؛ فمنهم من قال إن أهدافه من وراء ذلك هي إحياء شعائر الإسلام والقيام بفروضه لا غير؛ فالأغراض الدينية بحتة، والرسول حين قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم.» قصد التعليم الديني من قرآن وسنة وما إليهما، وأنه فسر هذا العلم بقوله في حديث ثان: «أفضل الناس المؤمن العالم.» وهذا العالم هو المقصود بقوله تعالى:
Unknown page