كان في الزمان القديم كاهن يدعى سليما، يقيم في مدينة صور، وكان يدرك خفايا العلوم، ويعرف أمورا لا يعرفها غيره، فلم تكن السماء ولا الأرض ولا المياه لتستطيع أن تخفي عنه أسرارها مهما كانت غامضة ومبهمة.
صرف الأب سليم قسما كبيرا من شبابه في مطالعة الكتب الغريبة، حتى إن الأب يوحنا لم يكن يستطيع النظر إليه بدون أن يرسم على وجهه إشارة الصليب بخوف ورهبة.
أما علماء الطبيعيات والجهابذة المشاهير والكيماويون النوابغ، فقد كانوا يضطربون ويتهيبون لدى حضور الأب سليم، مع أن أنانيتهم كانت تتألم بشدة من تفوقه عليهم، إذ إنهم كانوا يلتجئون إليه في شكوكهم وارتيابهم، ويستنيرون بحكمته وعلومه.
كانوا ينظرون بعجب وخوف إلى هذا الكاهن الشاب، الذي كثيرا ما أرهب العلماء بمعارفه، وأذهلهم بفصاحته وسلامة بيانه.
ومع ذلك كانوا يتوقون إلى التحدث إليه، ويخضعون أمامه أفكارهم وآراءهم، نازلين بكل رغبة واحترام عند أقل إرشاد يصدر من شفتيه الصفراوين.
بقي الأب سليم يشتغل ويشتغل كثيرا، تحت مقلة الله بدون أن تقرع الكبرياء أو الصلف باب قلبه الوديع، إذ إنه كان ورعا مستقيما.
كان الأب سليم مفخرة الدير، وكان رفاقه الكهنة لا يقسمون إلا به. •••
عندما كان الأب سليم ولدا، كان يسترئي الآفاق والبحار، وكواكب السماء، وأشجار الأحراج ... في حين كان والده يعيش من نتاج شبكته.
ففي أحد الأيام ذهب هذا الوالد في مركبه الصغير ولم يرجع؛ لأن المياه كانت قد ابتلعته ودفنته في أحشائها.
عند هذا تراءى شبح الجوع الرهيب، ووطد مكانا له على عتبة منزل الأرملة المسكينة!
Unknown page