أما السيد راغب، وهو رجل بدين لين العريكة بالرغم من تصنع في كلامه وأبهة هيئته، فقد قال يوما لكثير من مأموريه إن هذه المسألة تزعجه وتؤلمه، وإنه لا يرى حلا لهذا المشكل الغريب، وزاد على ذلك بقوله إن فريدا مع ما هو عليه من التقاوة وحسن السلوك، لم يخرج عن أن يكون ولدا غير مدرك.
وهنا أخذ السيد راغب يضيع في تآويل شتى عن الأولاد وتهورهم وقصر نظرهم، ثم قال: إذا قدر فريد أن يمهد لي سبيلا أستطيع به أن أؤمن حياة البنائين المعهود إليهم ببناء المعبد، فلا أتردد بأن أقف ما يرغب فيه للسيدة العذراء.
أما فريد فكان يعول على وعد العذراء التي قالت له: إن قوة الله تسير إلى جنبك.
فجعل يتحدث إلى راغب مدة طويلة، حتى عزم هذا أن يبني المعبد، بشرط أن يذهب فريد إلى معبر الشيطان ويعود سالما.
أخذ راغب البدين يحث الجماهير على الرحيل، فلم يمر وقت قصير حتى كان سكان القرية جميعهم - ما عدا الرئيس - في طريقهم إلى الوادي الملعون.
عندما بلغ الجمهور منتصف الجبل، وأطلوا على معبر الشيطان، ترددوا عن المسير خطوة واحدة، فبقي فريد يتقدم وحده إلى أن وصل إلى صخر متداع، فأمر عليه عصيته ثلاث مرات، فدهش الجميع وحاروا؛ إذ إنهم أبصروا خيوطا واهية دقيقة تتصاعد من الأدغال، وتترامى من قمم الأدواح المرتفعة، وهي تلمع لمعان الفضة، وما لبثت هذه الخيوط الواهية الدقيقة أن شبكت الصخر المتداعي وأوثقته على كنف الجبل.
وكان فريد يذهب ويجيء، فيلامس بعصيته الصخور والحجارة والأطواد، فترتجف هذه كلها، وتمحق تحت شباك فضية، ثم تبين موثقة على كنف الجبل!
بعد أشهر قليلة كان معبد أبيض الجدران قائما في مدخل الوادي، وكان على هذا المعبد تمثال العذراء المجيدة، يبارك بذراع مستطيلة جبل بيلاطوس والمضايق العميقة والبحيرة الزرقاء.
ومنذ عام 1585 كلما مر عابر مسيحي من ذلك الجبل، لا يجد بدا من السجود على أقدام سيدة عابري السبيل.
العكاز الذهبي
Unknown page