وربما قيل في قوله تعالى (قال رب إني أخاف أن يكذبون) وقد ناداه ربه (أن ائت القوم الظالمين) كيف يصح من ذلك أن يعتل بهذه العلة؟ وجوابنا أنه لم يرد الخوف على نفسه فإن الانبياء لا يجوز أن يبعثهم الله تعالى إلا وقد وطنوا أنفسهم على احتمال المكاره وإنما أراد أنه يخاف منهم أن لا يقبلوا وسأل ربه المعونة التي تكون أقرب الى قبولهم فأعانه الله عز وجل بأخيه هارون وقال (فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) والاستماع وإن لم يجز على الله تعالى لأنه كالاصغاء فالمراد نفس السماع والله تعالى يوصف بذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) كيف يصح أن يعتد لفرعون بمثل ذلك؟ وجوابنا أن ذلك بمنزلة إنكار كونه نعمة لا بمنزلة الاقرار لأن الذي فعله ببني إسرائيل يجري مجرى الظلم العظيم ويحتمل ان يكون المراد عبدت بني إسرائيل وخيبتني مع الذي كان منك من تربيتي وغير ذلك فيكون في الكلام حذف فعند ذلك قال له (وما رب العالمين) فأجابه رب السموات والارض وما بينهما لأنه تعالى إنما يعرف بأفعاله التي تختص به ولا تجوز عليه المشاهدة فكان الذي أجابه به هو الجواب الحقيقي ولم يزل يكرر مثل ذلك حتى قال إنه لمجنون ثم قال (لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) وليس ذلك بطعن في أدلته والله تعالى مسخره لما علم من عاقبة أمر موسى صلى الله عليه وسلم عند ظهور الآيات وما ينزل بهم آخرا من الهلاك وعلى هذا ما فصله تعالى في القصة.
[مسألة]
Page 296