194

Tanzih Quran

تنزيه القرآن عن المطاعن

Genres

وربما قيل في قوله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) أما يدل ذلك على أنه لا فعل إلا لله. وجوابنا أنه تعالى بين من قبل أصناف النعم من انزاله الماء وإنباته أنواع الخيرات والثمرات وتسخيره الليل والنهار والبحر وما فيها من النعم والنجوم ودلالتها على الامور فقال بعده تنبيها للخلق عما يلزم شكره وعبادته (أفمن يخلق كمن لا يخلق) فبعث بذلك على عبادة الله تعالى وبكت به من يعبد الاصنام وغيرها مما لا تصح منه هذه النعم ولا يدخل في ذلك أفعال العباد لأنه نبه بذلك على أن الواجب أن يفعلوا الطاعة والشكر والعبادة وكيف يكون نفس الفعل خلقا من قبل الله تعالى ولذلك قال بعده (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فبين أن الذي قدم ذكره من نعمه هو قليل من كثير النعم التي يفعلها الله تعالى حالا بعد حال في جسم الانسان وحواسه وجوارحه وغير ذلك ثم قال (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) يخوف بذلك العبد من أن يخالف ما يظهر من الطاعة ويبعثه على أن يكون باطنه في الاخلاص كظاهرة والذي بين ما قلناه قوله تعالى من بعد (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء).

[مسألة]

وربما قيل في قوله تعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) كيف يصح أن يحملوا أوزار غيرهم ولئن جاز ذلك لم يمتنع أن يعذب الله تعالى أطفال المشركين بذنوب آبائهم. وجوابنا إن الذين أضلوهم لما كانوا سببا لضلالهم جاز أن يقول تعالى ذلك والمراد أنهم لما ضلوا وأضلوا كانت أوزارهم أعظم كما روي عنه صلى الله عليه وسلم (فيمن سن سنة سيئة أن عليه وزرها ووزر من عملها) والمراد مثل ذلك لا أن عين ما يستحقه من يتأسى به يستحقه من سن فعل السنة السيئة.

[مسألة]

وربما قيل في قوله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) أما يدل ذلك على أنه تعالى يهدي ويضل وان ذلك من خلقه. وجوابنا أن المراد فمنهم من هدى الله الى الثواب لتمسكه بالعبادة ومنهم من حقت عليه الضلالة عن الثواب الى العقاب بمعصيته وهذا كقوله (إن المجرمين في ضلال وسعر) فسمى نفس العقاب ضلالا كما سمى نفس الثواب هدى في قوله (الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم) والهدى بعد القتل لا يكون الا بالاثابة ولذلك قال بعده (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) فنبه بذلك على ما ذكرنا ويحتمل أن يريد بالهدى زيادة البصيرة فيفعله بمن قبل وأطاع عنده دون من علم أنه لا يقبل كما قال تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى).

Page 219