الذهبي بعد أن عرض قصة الأسدية: فهي مرفوضة عند المالكية (١).
هكذا وردت هذه القصة في الكثير من المراجع التي تحدثت عن تاريخ الفقه المالكي مع بعض الاختلاف، إلا أن المضمون متقارب، وربما قد يكون مجيئها من مصدر واحد، وطرأت لها الشهرة بتداولها في هذه المراجع التي أخذتها من ذاك المصدر، لأن أغلب الذين يذكرون هذه القصة يحدثون عن أبي العرب التميمي، أو سليمان بن سالم.
لكن هذه القصة تحتاج إلى شيء من البحث والتريث في إصدار الأحكام حتى لا نصف علماء أجلاء بما لا يتفق ومكانتهم العلمية والأخلاقية والجهادية في سبيل نصرة هذا الدين والدفاع عنه. فهذا أسد بن الفرات الذي دخل معركة سلاحها الأوراق والأقلام ولم ينهزم، ودخل معركة سلاحها السيوف والسهام ولم ينهزم، يمكن أن يكون لموقفه من عدم الموافقة على نسخ "الأسدية" أكثر من تأويل، من غير أن نصفه بأنّه بخل بها فقط، ولم يرد أن يمكن سحنون من نسخها حتى تحايل عليه هذا الأخير فقام بنسخها. وقد كان موقف أسد منذ أن أخذ "الأسدية" عن ابن القاسم عدم الموافقة على نسخها، فقد طلب منه أهل مصر أن ينسخوها فأبى، إما لأن صاحب هذا العلم ما زال حيًا يمكن لأي واحد أن يأخذ عنه مباشرة. أو لأن النسخة ما زالت تحتاج إلى الكثير من المراجعة، وقد دفع إليه ابن القاسم سماعه من مالك لينظر فيه، ويصحح عليه ما أخذه عنه، لأنه كان يملي عليه من حفظه (٢)؛ قال أسد: ولما أردت الخروج إلى إفريقية دفع إلى ابن القاسم سماعه من مالك، وقال لي: ربما أجبتك وأنا على شغل، ولكن انظر في هذا الكتاب، فما خالفه مما أجبتك فيه فأسقطه (٣) أو لأنها مجرد اجتهادات فقهية يقولها الفقيه اليوم، ويمكن أن يتراجع عنها غدًا.
ولما دخل بها أسد إفريقية، وجلس يدرسها وهي على حالها ربما
_________
(١) سير أعلام النبلاء: ١٠/ ٢٢٦.
(٢) المدارك: ٣/ ٢٩٨.
(٣) نفسه: ٣/ ٢٩٧.
مقدمة / 66