النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لا بدّ منها، ولا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه، أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون بها ينظر فيه (١). وهكذا كان من قبله في الاهتمام بالمقابلة بين النسخ التي أخذها مع الأصل، فقد روى عياض عن هشام بن عروة بن الزبير قال: قال لي أبي: أكتبت؟ قلت: نعم. قال: قابلت؟ قلت: لا. قال: لم تكتب يا بني (٢).
ويقول عياض في مقابلة النسخ: فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفًا حرفًا، حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به، ومطابقتها له، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف دون مقابلة، نعم، ولا على نسخ نفسه بيده، ما لم يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى (٣).
وفي اختيار النسخ كان كذلك للقدماء سبق في تحديد النسخة التي ستكون النسخة الأم، وقد خصص عياض لضبط اختلاف الروايات بابًا (٤) بيَّن فيه طريقة التعامل مع الروايات المختلفة، وما يرد فيها من زيادة أو نقص وتحديد المكان الذي تثبت فيه هذه الاختلافات، فقال: وأولى ذلك أن تكون الأم على رواية مختصة، ثم ما كان من زيادة الأخرى ألحقت، أو من نقص أعلم عليها، أو من خلاف خرج في الحواشي، وأعلم على ذلك كله، بعلامة صاحبه، من اسمه أو حرف منه للاختصار، لا سيما مع كثرة الخلاف والعلامات، وإن اقتصر على أن تكون الرواية الملحقة بالحمرة فقد عمل ذلك كثير من الأشياخ وأهل الضبط كأبي ذر الهروي، وأبي الحسن القابسي، وغيرهما (٥).
_________
(١) الإلماع: ص: ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) نفسه: ص: ١٦٠.
(٣) نفسه: ص: ١٥٩ - ١٦٠.
(٤) باب ضبط اختلاف الروايات والعمل في ذلك. "الإلماع": ص: ١٨٩.
(٥) الإلماع، ص: ١٨٩ - ١٩٠.
مقدمة / 59