ما يريد، ويطلع على النفائس والأصول النادرة. وهو المعتني بالتحقيق وتصحيح النسخ، تراه في علم اللغة، كما في الحديث والفقه، ينقب عن الأمهات ويقتني منها ما يجد، أو يكتفي بتصحيح نسخه عليها؛ فمن ذلك قوله في غريب ابن قتيبة: "قرأته على القاضي الشهيد ابن الحاج التجيبي في داره بقرطبة، وعارضت كتابي بكتابه ... وصححت كثيرًا من شواهده وعويص حروفه على الوزير أبي الحسين بن سراج ... " (١).
وقوله عن كتاب "الغريبين" للهروي: "قرأت جميعه على ابن سراج وصححته عليه" (٢).
وقوله في كتاب "الدلائل" للسرقسطي: "عارضته بكتاب ابن سراج" (٣).
فالقاضي عياض ﵀ في مستواه الأدبي لا يقل بل يفوق كبار أهل الصنعة شعرًا ونثرًا ونحوًا، وبلاغةً وصرفًا، فله من الشعر كثير، ومن النثر أكثر، بل وله كتاب في فن الترسيل (٤). قال الدكتور عبد الله الطيب: "بغية الرائد وحدها تصنف عياضًا في خانة كبار النقاد، كما صنفت "الوساطة" بين المتنبي وخصومه عبد العزيز الجرجاني في ضمنهم، وهو دونه في مرتبة العلم. وليست "بغية الرائد" دون "الوساطة" في مرتبة النقد، بل لا أشك أنها أعلى منها مرتبة. والشهرة حظوظ" (٥).
_________
(١) الغنية: ٤٨.
(٢) الغنية: ٢٠٣.
(٣) الغنية: ٢٠٢.
(٤) الغنية: ١١٧.
(٥) عبد الله الطيب، القاضي عياض الناقد، مجلة المناهل، السنة: ٧، عدد: ١٩، صفر ١٤٠١/ دجنبر ١٩٨٠، ص: ١٩٩.
مقدمة / 37