والملاحظة الثانية في عنايته بالرواية هي الضبط والتصحيح والتحقيق على الأصول الصحيحة، فروايته لصحيح البخاري عن الصدفي في أعلى درجات الإتقان، نقل الشيخ عبد الحي الكتاني عن العلَّامة إدريس العراقي - ردًّا على من فضل رواية موسى بن سعادة (١) عن الصدفي على رواية القاضي عياض قال -: رواية عياض أفضل من رواية ابن سعادة عنه. ثم حكى عن ابن عبد السلام القادري قوله: وقفت على نسخة رواية عياض عن الصدفي عند مولاي إدريس العراقي، وسمعت عليه جلّها، وأنا أقابل عليه معها نسخة ابن سعادة المشار إليها. فباعتبار ما ظهر لي قول شيخنا مولاي إدريس صحيح (٢).
وقال القاضي عياض عن روايته لسنن أبي داود: قرأته على هشام بن أحمد بن العواد في داره بقرطبة وهو يمسك على أصل الجياني الذي أتقنه (٣).
وقال عن روايته للمؤتلف والمختلف للدارقطني: حدثني به أبو علي الصدفي، وعارضته بأصله (٤). وأكد هذا ابن الأبار في معجمه فقال: وعندي أصل أبي علي من الكتاب، وفيه خط عياض بالمعارضة خاصة (٥).
وانسجامًا مع اهتمامه الشديد بالتحقيق وجمع الأصول، استطاع المؤلف أن يقتني لنفسه أعلاقًا من أمهات الشيوخ الكبار خاصة أصول الصدفي؛ إذ حصلت له أصوله من "التاريخ الكبير" للبخاري (٦)، و"العلل
_________
(١) موسى بن سعادة، مولى سعيد بن نصر، أبو عمران، من بلنسية، استوطن مرسية. سمع من الصدفي عامة روايته ولازم مجلسه قديمًا وحديثًا، وكان صهره. انظر: معجم أصحاب الصدفي لابن الأبار: ١٩٣.
(٢) فهرس الفهارس ٢/ ١٠٣٢، وذكر أيضًا (٢/ ٧٠٦ - ٧٠٧) خبر العثور على نسخة الصدفي وفي آخرها سماع عياض وغيره في المسجد الجامع بمرسية.
(٣) الغنية: ٢١٧.
(٤) الغنية: ١٣٥.
(٥) معجم أصحاب الصدفي: ٣٠٢، الغنية: ١٣٥ بالهامش.
(٦) الغنية: ١٣٦.
مقدمة / 27