أما مرويات القاضي عياض الحديثية فيطول المقام عند استقصائها بل يصعب؛ لأنه - فيما ذكر من مروياته في الغنية - كان لا يستوعب، إنما يمثل ويختصر، والدليل على ذلك أنه لم يذكر من مؤلفات الإمام مسلم غير كتاب "الصحيح" و"الطبقات"، بينما ذكر من مروياته الأخرى في غير الغنية مجموعة من مؤلفات الإمام مسلم هي: "تمييز الكنى والأسماء" و"الطبقات" و"الوحدان" و"العلل" و"شيوخ مالك وسفيان وشعبة" و"رجال عروة بن الزبير" (١).
ويدل على هذا أيضًا أن مجموع العناوين التي سردها في الغنية لا تتجاوز بضعًا وثلاثين عنوانًا، هذا عدا ما يجمعه في مثل قوله: فهرس فلان، أو كتب فلان. ومن يقرأ مؤلفاته يجده يروي مصنفات كثيرة في شتى أنواع العلم لا ذكر لها في الغنية.
ومروياته في الحديث المذكورة في الكتاب هي أمهات معروفة في الحديث؛ في علومه ومتونه ورجاله، ومنها - مثلًا -: "مسند بقي بن مخلد" و"مصنفه" (٢)، و"مسند الموطأ" لأبي القاسم الجوهري (٣). وهي نماذج أمسى بعضها في حكم المفقود.
وما ينبغي التأكيد عليه هنا مما له علاقة بالقاضي عياض المحدِّث المحقق اتساعه في رواية الأمهات بأكثر طرقها وأسانيدها ونسخها، كالبخاري (٤)، ومسلم (٥)، وأبي داود (٦). وهو إذ اقتصر على ذكر الروايات في هذه الثلاث فلا يعني أن سائرها لم يتوسع فيها، فقد روى غيرها بالطريقة ذاتها كما يوجد في ثنايا كتابيه: "المشارق" و"الإكمال".
_________
(١) الإكمال ١/ ٨٢.
(٢) الغنية: ٩٧.
(٣) نفسه.
(٤) الغنية: ٣٢.
(٥) نفسه: ٣٥.
(٦) نفسه: ٣٧.
مقدمة / 26