له قالوا: ما هي في الكتاب ... وليس ثم كتاب يرجع إليه إلا كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله ﷺ.
ثم بلغ الأمر بالموحدين إلى إحراق كتب المذهب بعد أن جُرد ما فيها من الحديث والقرآن، فأُحرق منها جملة في سائر البلاد، كـ "مدونة سحنون"، وكتاب "ابن يونس"، و"نوادر ابن أبي زيد"، و"تهذيب البراذعي"، و"واضحة ابن حبيب" (١) ...
إن هذه الحوادث المأساوية تجلي فعلًا ذلك الجمود على كتب الفروع، وتؤكد الفرضية بل الحقيقة التي بنى عليها القاضي عياض في تأليف كتاب التنبيهات. ويؤكد ذلك الواقعُ التاريخي أيضًا، فكثير من الفقهاء اقتصروا على "المدونة" خاصة، وكثير منهم كان يحفظها حرفيًا أو كان لا يجاوزها ولا يفارقها، حتى كان من شروط تولي بعض الخطط حفظها (٢) ... فما الذي امتاز به عنهم القاضي عياض؟
أولًا: ملامح عن القاضي عياض المحدِّث المحقق:
كان المؤلف ﵀ من أئمة وقته في الحديث وفقهه وغريبه، ومشكله ومختلفه، وصحيحه وسقيمه، وعِلَلِهِ وحفظ رجاله ومتونه وجميع أنواع علومه (٣). وقد ذكره أبو الوليد ابن الدباغ في الطبقة الثانية عشرة من المحدثين في كتابه. ويكفي أن يذكر في شيوخه أعلام زمانه مثل: أبي علي الجياني وأبي علي الصدفي وأبي طاهر السلفي ...
_________
(١) انظر: المعجب ص: ٤٠٠، والاستقصاء ٢/ ١٧٨.
(٢) أكتفي بالإشارة لمظان هذه المعطيات مثل: أخبار الفقهاء والمحدثين ص: ٣٢، ٦١ والصلة: ٢/ ٧٤٧ وتاريخ ابن الفرضي: ٢/ ٨٨٥ والمدارك: ٦/ ١٧٠، ١٧٧، ٣٠١. ٤/ ٤٤٤. ٧/ ٢٤٢ والتكملة: ١/ ١٩٤، ٣/ ١٨٤ والذيل والتكملة: ٥/ ١/ ٦٠، ٤٠٨، ٤٢٩ والديباج: ١٠٣، ١٤١، ٢٠٢، ٢٢٧، ٢٨٢ ونفح الطيب: ٢/ ٨ ونيل الابتهاج: ١٣٨ وجذوة الاقتباس: ١/ ١٠٩، ١٢٧ وبيوتات فاس: ١٩، وطبقات المالكية: ٢٣٤، ٣٥٧.
(٣) التعريف: ٤، وانظر: أزهار الرياض: ٣/ ٢٠.
مقدمة / 25