المبحث الثاني: شخصية القاضي عياض العلمية
إن الذي ميز القاضي عياضًا وأهله للتصدي لإشكالات كتاب "المدونة" هو تفوقه على أترابه الفقهاء بمؤهل نادر لاحظ هو بنفسه ندرته في وسط الفقهاء في مقدمة كتابه إذ قال: " ... لتوفر عامتهم وجمهورهم على علم المسألة والجواب، وتفرغهم لذلك عن التحقق بعلمي الأثر والإعراب، ولذلك استمرت رواياتهم في الكتاب في كثير منها على الوهم الصريح والتصحيف القبيح".
ولعل هذا الانكباب على هذا الكتاب بهذه الطريقة مما ساعد الموحدين في تهمتهم المشهورة للفقهاء بالإيغال في فقه الفروع حتى "نفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها. وكثر ذلك حتى نسي النظر في كتاب الله وحديث رسول الله ﷺ" (١). وهو ما دعا الدولة الموحدية لتهدد هؤلاء الذين تركوا الأصول، وصاروا يحكمون بين الناس ويفتون بهذه المسائل والفروع. وقال عبد المؤمن الموحدي في محفل للفقهاء: سمعنا أن عند القوم تأليفًا من هذه الفروع يسمونه الكتاب - يعني "المدونة" - وأنهم إذا قال لهم قائل مسألة من السنَّة ولم تكن فيه أو مخالفة
_________
(١) انظر: المعجب ص ٤٠٠، فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك للشيخ عليش ١/ ١٠٢.
مقدمة / 24