98

============================================================

النسهيد شح معالمر العدل والتوحيل أوقات ما لا يزال، وإن كان اختياريا فهذا الاختيار إما أن يكون ثابتا لتلك الأجسام لذواتها أو يكون حاصلا من غير ذواتها، والأول باطل، وإلا لوجب حصوله في الأزل لأن ذوات الأجسام قديمة. والثاني باطل أيضا؛ لأنه إن كان جسما عاد المحال، وإن لم يكن جسما فحييذ يكون لا بد من وجود شيء غير جسم يكون معطيا للنور والظلمة قدرة واختيارا بهما يتمكنان من الامتزاج، وهذا يكون اعترافا بالصانع عز سلطانه وتركا للتثنية، ولا يبقى الخلاف إلا في قدم الأجسام، وقد قررنا الدلالة على حدوثها.

وأما المرقيونية القائلون بحصول المتوسط فقوهم هذا لا يستمر على مذهبهم؛ لأن ذلك الامتزاج إن كان خيرا كان فاعله النور؛ لأن الخير لا يصدر إلا عن النور. وإن كان شرا كان فاعله الظلمة؛ لأن الشر لا يصدر إلا عنها.

فحيئذ يبطل المتوسط، وإن أرادوا بالمتوسط هو الله تعالى الذي يجمع بين الأجسام اا و يؤلفها ويخلق منها التراكيب المتقنة والعجائب المحكمة كان ذلك رجوعا منهم إلى التوحيد وتركا للتثنية وهو المطلوب.

الفصل الخامس في الرد على المجوس ولهم أقاويل مضطربة، وهم فرق مختلفة، وقد حكي أصحاب المقالات عنهم أنهم أثبتوا للعالم صانعا غير جسم عالما قادرا حكيما ونزهوه عن خلق الجهل والمرض والألم وسائر أنواع الشرور أجمع وسموه برذن، فلما قالوا بهذه المقالة احتاجوا عند ذلك إلى إسناد هذه الشرور إلى الشيطان وسموه أهرم، واختلفوا في كونه جسما وفي كونه حادثا، فالأقلون على كونه قديما وأنه ليس بجسم، والأكثرون منهم على آنه محدث وجسم.

وزعموا أن سبب حدوثه أنه عرض لبرذان في بعض الأوقات فكرة، وهو أنه فكر كيف يكون حالي لو كان في ملكي من يناب عني، فتولد الشيطان عن هذه الفكرة، ثم إنه حارب

Page 98