Tahta Rayat Quran
تحت راية القرآن
Publisher
المكتبة العصرية-صيدا
Publisher Location
بيروت
Genres
Creeds and Sects
نعم كان هؤلاء الناس من شديدي التحمس بالدين الجديد الذي جاءهم به
محمد ﷺ، ولكن حماستهم هذه لم تقلع ما في قلوبهم من حب الحرية التي نشأوا عليها في الجاهلية والتي لا يوجد في الشرق ولا في الغرب أمة بلغت شأو العرب فيها، ومن قال:
"إن العرب أعرق الأمم في الحرية" فغير مبالغ، لهذا تجدهم رووا
بألسنتهم وكتبوا بأقلامهم جميع مطاعن المشركين في النبي ﷺ وصحبه ولم يُخفوا منها قليلًا ولا كثيرًا، ونقلوا الشبه والاعتراضات التي كانت تقع عَلى الرسول ﷺ ورهطه، وذكروا كثيرًا مما كان يرد به بعض العرب على رسول الله ﷺ، وكيف أن اثنين تخاصما إليه فحكم لأحدهما، فقال المحكوم عليه: هذا حكم لم يُرد به وجه الله، فقال ﵊:
" أوذِيَ موسى من قبلي بأكثر من هذا"
وغير ذلك مما هو مستفيض في كتب السيرة النبوية وأخبار صدر الإسلام، ومما رواه الرواة المسلمون وحرره الكتبة المسلمون وأقرأه العلماء المسلمون، ولم يكن عندهم حرج في نقل تلك الأحاديث وإبرازها كما جاءت، لأنهم كانوا على بينة من دينهم الذي دانوا به، وكانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وكانت سيرة النبي ﷺ معلومة
عندهم بدقائقها، فلم يكونوا يحتاجون فيها إلى "السانسور" دَرءًا للشبهات عنها وخوفًا من أن يُفضي تدأول هذه الروايات إلى زعزعة عقيدة الإسلام التي لم تكن منذ بها جاء بها صاحبها ﷺ إلى اليوم على شفا جُرف هار.
إن الإسلام مولود رُزق الصحة ووثاقة التركيب منذ ولادته.
نعم في هاتيك الأيام وما يليها كانوا يردون أهاجي بعض الشعراء للصحابة
والأنصار و"لبني النجار" وفي تلك الأيام كان يعاتبُ الرسول ويقال له:
ما كان ضَرك لو عفوتَ فربما. . . مَن الفتى وهو المَغيظُ المُحنقُ
في أيام السلف كان ينادي الأخطل:
ولستُ بصائم رمضانَ عمري. . . ولستُ بآكل لحم الأضاحي
ولستُ بقائل ما عشتُ يومًا. . . قُبيل الصبح حيَّ على الفلاح
كان يقول هذا ويدخل على الخلفاء ويجيزونه الجوائز السنية، وكان هو
وغيره من النصارى واليهود يفتخرون بدينهم ويعلنونه في أشعارهم التي كان
يرويها المسلمون ويقيدونها في دفاترهم، ولما جاء الملكَ النعمانَ ابن المنذر
رجل نصراني في اليوم الذي كان عنده يوم بؤس وأمر النعمان بقتله، استماحه النصرانى مهلة أن يذهب ويودع أهله، فأذن له، على أن يقدم كفيلًا يحل محله فى القتل إذا هو لم يرجع، فرجع، وتعجب النعمان من وفائه، فسأله:
1 / 75