121

Tahrir Wa Tanwir

التحرير والتنوير

Publisher

الدار التونسية للنشر

Publisher Location

تونس

أَسَالِيبِهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا بِاخْتِلَافِ حُرُوفِهَا أَوِ اخْتِلَافِ حَرَكَاتِ حُرُوفِهَا وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ كَثِيرٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ مِثْلَ: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَن إِنَاثًا [الزخرف: ١٩] قرىء (عِنْدَ) بِالنُّونِ دون ألف وقرىء (عِبَادُ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَأَلِفٍ بَعْدَهَا، وَمِثْلَ: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف: ٥٧] بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ السَّادِسَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ جِهَةِ الْأُسْلُوبِ مَا سَمَّاهُ أَئِمَّةُ نَقْدِ الْأَدَبِ بِالْجَزَالَةِ، وَمَا سَمَّوْهُ بِالرِّقَّةِ وَبَيَّنُوا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَاتِهِ وَهُمَا رَاجِعَتَانِ إِلَى مَعَانِي الْكَلَامِ، وَلَا تَخْلُو سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ تَكَرُّرِ هَذَيْنِ الْأُسْلُوبَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَالِغٌ غَايَتَهُ فِي مَوْقِعِهِ، فَبَيْنَمَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: ٥٣] وَيَقُولُ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا [النِّسَاء: ٢٨] إِذْ تَسْمَعُهُ يَقُولُ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: ١٣] قَالَ عِيَاض فِي «الشِّفَاء»: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى فَمِ النَّبِيءِ ﷺ وَقَالَ لَهُ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلَّا مَا كَفَفْتَ. عادات الْقُرْآن يَحِقُّ عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَادَاتِ الْقُرْآنِ مِنْ نَظْمِهِ وَكَلِمِهِ. وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ السَّلَفِ لِشَيْءٍ مِنْهَا، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ كَاسٍ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهَا الْخَمْرُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللَّهُ مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا [الشورى: ٢٨] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الْبَقَرَة: ٢١] فَالْمَقْصُودُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ الْمُشْرِكُونَ. وَقَالَ الْجَاحِظُ فِي «الْبَيَانِ»: «وَفِي الْقُرْآنِ مَعَانٍ لَا تَكَادُ تَفْتَرِقُ، مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَالْجُوعِ وَالْخَوْفِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ» قُلْتُ: وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

1 / 124