[غافر: 60] وقد يدعوه كثير من خلقه فلا يجيب دعاءه؟! قلنا: اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى الدعاء هنا الطاعة، ومعنى الإجابة الثواب. كأنه قال: أجيب دعوة الداعي بالثواب إذا أطاعني.
وقيل: معناه الخصوص؛ وإن كان اللفظ عاما، أي أجيب دعوة الداعي إن شئت، وأجيب دعوة الداعي إذا وافق القضاء، وأجيب دعوة الداعي إذا كانت الإجابة له خيرا. ويدل عليه ما روي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" " ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته؛ وإما أن يدخر له في الآخرة؛ وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها " ، قالوا: يا رسول الله إذن نكثر؟ قال: " الله أكثر " ".
و((قال)) بعضهم: هو عام وليس فيه أكثر من إجابة الدعوة؛ فأما إعطاء الأمنية وقضاء الحاجة، فليس بمذكور. وقد يجيب السيد عبده؛ والوالد ولده، ولا يعطيه سؤاله؛ فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة؛ لأن قوله: أجيب وأستجيب هو خبر؛ والخبر لا يعترض عليه النسخ؛ لأنه إذا نسخ صار المخبر كذابا، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ودليل هذا التأويل ما روى ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من فتح له باب في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة "
وأوحى الله إلى داود عليه السلام: [قل للظلمة لا يدعوني، فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني؛ وإني إذا أجيب الظالمين لعنتهم].
وقيل: إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت، إلا أنه يؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته. يدل عليه ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن العبد ليدعو الله تعالى وهو يجيبه؛ فيقول: يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأخرها، فإني أحب أن لا أزال أسمع صوته. وإن العبد ليدعو الله وهو يبغضه؛ فيقول: يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأعجلها؛ فإني أكره أن أسمع صوته ".
وبلغنا عن يحيى بن سعيد قال: ((رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب، كم أدعوك فلم تستجب لي؟ فقال: يا يحيى، إني أحب أن أسمع صوتك)).
Unknown page