Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani

Muhammad al-Muntasir al-Kettani d. 1419 AH
88

Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani

تفسير المنتصر الكتاني

Genres

تفسير قوله تعالى: (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف:٦٣]. يقول يوشع: يا مولاي يا رسول الله أرأيت؟ أي: هل فكرت ونظرت؟ وهل خطر لك ببال أننا عندما وصلنا الصخرة فر الحوت عندما أصيب بماء هناك من عين تسمى عين الحياة، وهذه العين هي التي سبق للخضر أن شرب منها، وهي في أقصى الدنيا، وذلك عندما كان على مقدمة ذي القرنين، ويأتي هذا في القصة التالية، ومن شرب من هذا الماء عاش آلاف السنين، كما حصل للخضر وحصل أيضًا لإلياس، وكما عادت الحياة في هذا الحوت بسبب هذا الماء. وقوله: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف:٦٣] أي: أخطر لك ببال أننا عندما استرحنا عند الصخرة إذا بالحوت يقفز من المكتل بعد أن أصابه ماء من عين أخذت أتوضأ منها، وإذا به يقفز ويدخل البحر، ويتخذ سربًا وطريقًا يفر الماء منه، فيصبح طريقًا لا ماء فيه، يصبح كأنه الممر في الأرض داخل البحر. ثم قال يوشع لموسى: ونسيت أن أخبرك بأن الحوت دخل البحر واتخذ سربًا ونفقًا وممرًا فيه، وما أنساني أن أقول لك ذلك إلا الشيطان. وهذا من أدب المسلم فضلًا عن أدب النبوة، أن ينسب الخير لله والشر لغيره، على أن الله ﷻ خالق الخير وخالق الشر، وقد قدر الكل في الأزل. وإذا بموسى لم يغضب على فتاه، بل قال: ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف:٦٤] أي: كان هذا هو العلامة بينه وبين ربه، أن يفر الحوت من المكتل، وأن يتخذ سربًا ونفقًا في البحر، يكون سربًا له وعجبًا لنا. وقوله: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف:٦٤] وإذا بموسى وقد تجاوز مجمع البحرين عاد قصصًا متخذًا الآثار والعلامات فرجع من حيث أتى. وقوله: (قصصًا) القصاص هو الذي يتبع آثار السارق وآثار المطلوب وآثار الفار، وللعرب في هذا علم وخبرة قليل نظيرها عند غيرهم، كانوا ولا يزالون كذلك. فارتد موسى ومعه مولاه على آثارهما، ورجعا من نفس الطريق الذي سافرا عليه، وتتبعا أثر ما مشيا عليه من موطأ الأقدام والنعال.

13 / 3