{ إن الذين يستكبرون عن عبادتي } قيل: توحيدي وطاعتي { سيدخلون جهنم داخرين } صاغرين { الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } يعني محلا لسكونكم يسكن فيه كل الحيوان ويستريحون من الكد والتعب { والنهار مبصرا } أي خلق النهار مضيئا تبصرون فيه مصالح دنياكم { إن الله لذو فضل } بهذه النعم عليكم { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } لجهلهم بالنعم والمنعم { ذلكم } يعني من أنعم عليكم هذه النعم { الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو } أي لا يستحق العبادة غيره { فأنى تؤفكون } ، قيل: تصرفون عن هذه الأذية مع وضوحها، وقيل: كيف تصرفون عن عبادته مع هذه النعم التي أنعم عليكم بها { كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون } ، قيل: كما صرف هؤلاء عن الحق كذلك تصرفون عن الثواب وطريق الجنة جزاء على إفكهم، وقيل: يؤفك يهلك من كان قبلهم بآيات الله يجحدون { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا } مستقرا تستقرون عليه فخلق فيها السكون { والسماء بناء } كالسقف للأرض { وصوركم فأحسن صوركم } لأن صورة الإنسان أحسن الصور { ورزقكم من الطيبات } فجعل كل طيب ولذيذ رزقا للناس { ذلكم الله ربكم } أي خالق هذه الأشياء هو خالقكم { فتبارك الله رب العالمين } هو إشارة إلى إنما يمدح به لأنه الحي لم يزل ولا يزال { فادعوه } أي اعبدوه { مخلصين له الدين } أي مخلصون له العبادة { الحمد لله } أي أحمده على هذه النعم { رب العالمين } وعن ابن عباس: من قال: لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين { قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله } أي تدعونه إلها وتعبدونه وهي الأوثان { لما جاءني البينات من ربي } أي أعطاني الحجج { وأمرت أن أسلم لرب العالمين } ، قيل: انقاد له، وقيل: أخلص العبادة له.
[40.67-78]
{ هو الذي خلقكم من تراب } يعني آدم وهو أبو الجميع، خلقه من تراب فأحال التراب لحما ودما وعظما وعصبا، وصور منه شخصا سويا { ثم من نطفة } أي خلق أولاده من نطفة وهو ماء الرجل والمرأة { ثم من علقة } تصير النطفة قطعة دم { ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم } أي حال القوة والكمال { ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل } أي يموت قبل بلوغ الأشد، وقيل: قبل بلوغ الشيوخة { ولتبلغوا أجلا مسمى } أي يبقيه البلوغ وقتا محدودا لا يجاوزه، وقيل: ما سمي له من الوقت فيموت عنده { ولعلكم تعقلون } ، قيل: لتعقلوا ذلك، وقيل: لتعلموا الآيات { هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا } أي خلق وقدر { فإنما يقول له كن فيكون } ، قيل: يوجده من غير امتناع { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله } في حججه بالباطل، قيل: الآيات التوحيد والعدل، وقيل: المعجزات الدالة على نبوته { أنى يصرفون } أي كيف يصرفون عنها مع وضوحها { الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون } عاقبة أمورهم { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون } أي يجرون { في الحميم ثم في النار يسجرون } أي يوقد عليهم النار، وقيل: يصيرون وقود النار، وقيل: يطرحون في النار كما يطرح الحطب على النار عن أبي علي { ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون } { من دون الله } أي يقال لهؤلاء الكفار إذا دخلوا النار أين ما كنتم تشركون، { من دون } يعني الأصنام التي عبدوها، وهذا سؤال توبيخ { قالوا ضلوا عنا } أي ضاعوا وهلكوا فلا نراهم ولا نقدر عليهم { بل لم نكن ندعو من قبل شيئا } يعني لم نكن ندعو من قبل شيئا يستحق العبادة وينتفع بعبادته، وقيل: لم ندعو شيئا ينفعنا { كذلك يضل الله الكافرين } ، قيل: يضلهم عن طريق الجنة والثواب، وقيل: يهلكهم ويعذبهم، وقيل: كذلك يضل الله أعمالهم بإبطالها { ذلكم } يعني هذا العذاب الذي أصابكم إنما هو { بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق } أي يفرحهم بالباطل { وبما كنتم تمرحون } أي تبطرون وتفرحون { ادخلوا أبواب جهنم } وهي سبعة { خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } أي مقام من تكبر من قول الحق { فاصبر } يا محمد على تبليغ الرسالة وإن نالك منهم الأذى { إن وعد الله حق } بالنصر لأنبيائه والانتقام من أعدائه حق، أي صدق لا خلف فيه { فإما نرينك بعض الذي نعدهم } من العذاب في حياتك وإنما قال بعض لأن المعجل في الدنيا بعض ما يستحقه الكفار { أو نتوفينك } قبل أن يحل بهم ذلك { فإلينا يرجعون } مرجعهم فنجازيهم { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك } وذلك تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلم) { منهم من قصصنا عليك } بإخبارهم { ومنهم من لم نقصص عليك } من جرى عليهم من أممهم، ذهب بعض المفسرين إلى أن الأنبياء غير معلوم، وذهب بعضهم إلى أنهم معدودون وإنما عدهم مائة وأربعة وعشرون ألفا، وذهب بعضهم إلى أن عددهم ثمانية آلاف أربعة آلاف من بني اسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس، وعن علي (عليه السلام): " بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته " { وما كان لرسول أن يأتي بآية } معجزة { إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله } قيل: الساعة، وقيل: عذابه في الدنيا والآخرة { قضي بالحق } أي حكم لكل أحد ما يستحقه { وخسر هنالك المبطلون } أي ظهر خسرانهم بحرمانهم الثواب ونزول العقاب.
[40.79-85]
{ الله الذي جعل لكم الأنعام } أي خلقها لمنافعكم { لتركبوا منها ومنها تأكلون } يعني بعضها للركوب والأكل كالإبل والبقر، وبعضها للأكل كالأغنام، وقيل: الأنعام الإبل وحدها، وقيل: الأصناف الثمانية وهو الوجه قاله الحاكم { ولكم فيها منافع } في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } أي في الأسفار تحمل عليها الأثقال وتركب وتبلغ المقاصد { وعليها وعلى الفلك تحملون } يعني الأنعام في البر وعلى الفلك في البحر { ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون } لأن جميعها دالة على توحيده وعدله، ثم وعظهم بذكر الأمم الماضية تسلية له ووعد له ودعا إلى الإيمان فقال سبحانه: { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم } عددا { وأشد قوة } في أنفسهم وأعوانهم { وآثارا في الأرض } في اتخاذ الأبنية والمنازل والقصور واستخراج الكنوز { فينظروا } إلى آثارهم فيعتبروا بذلك لأنهم تعالوا وتركوا جميع ذلك { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } أي لم ينفعهم كسبهم { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات } يعني الأمم والبينات الحجج { فرحوا بما عندهم من العلم } ، قيل: نحن أعلم منهم لا نبعث ولا نعذب، وقيل: رضوا بالشرك الذي كانوا عليه، يعني أعجبوا به وظنوا أنه علم، وقيل: فرحوا بما عندهم من الجاه والمال والرئاسة وبطروا، ويدل على ذلك قوله: { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } ، وقيل: يجعل الفرح للرسل، ومعناه أن الرسل لما رأوا جهلهم والتمادي واستهزاءهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا لله عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم، وحاق بهم أي حل بهم ونزل، وقيل: وجب ما كانوا به يستهزئون من العذاب { فلما رأوا بأسنا } عذابنا { قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين } من الأصنام { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } أي لم ينفعهم الإيمان بعد رؤية العذاب { سنة الله } أي طريقته { التي قد خلت في عباده } يعني في عذاب الكفار، وقيل: في قبول التوبة لأنه لا يقبلها إلا من المختار دون الملجأ { وخسر هنالك الكافرون } أي خسر فارق مجيء أمر الله أو وقت القضاء بالحق.
[41 - سورة فصلت]
[41.1-7]
{ حم } قد تقدم الكلام فيه، وقيل: هو اسم السورة، وعن ابن عباس: انه افتتاح أسماء الله تعالى { تنزيل } يعني هذه السورة { تنزيل من الرحمان الرحيم } ثم فسره فقال تعالى: { كتاب فصلت آياته } بالأمر والنهي والوعد والوعيد والحلال والحرام والمواعظ والأمثال { قرآنا عربيا } أي بلغة العرب { لقوم يعلمون } { بشيرا ونذيرا } أي: { بشيرا } للمؤمنين بما فيه من الوعد { ونذيرا } للكافرين بما فيه من الوعيد { فأعرض أكثرهم } فلم يفهموه ولم ينتفعوا به { فهم لا يسمعون } { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } الآية نزلت في أبي جهل وستة من مشركي قريش أعرضوا عن القرآن، وقوله: { تدعونا إليه } فلا نفقه ما تقول { وفي آذاننا وقر } أي صمم فلا نسمع ما يقول { ومن بيننا وبينك حجاب } أي حلاف في الدين فجعل خلافهم ذلك حاجزا { فاعمل إننا عاملون } ، قيل: اعمل بما يقتضيه رأيك ودينك، إننا عاملون أي إننا نعمل بما يقتضيه ديننا، وقيل: اعبد إلهك فإنا عابدون إلهنا، وقيل: أراد بأنا لا نفهم ما تقول فاعمل ما شئت { قل } يا محمد { إنما أنا بشر مثلكم } ، قيل: أراد بذلك استعطافهم بأنه من جنسهم، وقيل: أراد أنه لا يخالفهم في البشرية وإنما خالفهم في الدين لأنه أوحي إليه { يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه } أي اعدلوا عن عبادة غيره واجعلوا قصدكم إليه، وقيل: إليه بمعنى له { واستغفروه } بمعنى تطلبوا منه المغفرة من ذنوبكم { وويل للمشركين } كلمة وعيد { الذين لا يؤتون الزكاة } يعني لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهي زكاة الأبدان عن أبي علي، وقيل: لا يؤتون الزكاة ولا يدينون بها { وهم بالآخرة هم كافرون }.
[41.8-12]
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } ، قيل: ثواب غير مقطوع، وقيل: غير منقوص، وقيل: لا يلحقهم تنقيص { قل أئنكم لتكفرون } ، قل يا محمد لهؤلاء الكفار وهذا تعجيز، أي تستجيزون أن تكفروا بمن هو خالق كل شيء ورب كل حي { بالذي خلق الأرض في يومين } يعني مقدار يومين { وتجعلون له أندادا } أمثالا وأشباها تعبدونها { ذلك رب العالمين } يعني الذي خلق الأرض هذا خالق العالمين دون الأنداد { وجعل فيها رواسي من فوقها } جبالا ثوابت { وبارك فيها } خلق فيها من المنافع التي لا تحصى { وقدر فيها أقواتها } أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم، وفي قراءة ابن مسعود: وقسم فيها أقواتها { في أربعة أيام سواء } خلق الأرض وما فيها مستوية كاملة لا فيها نقصان، قيل: خلق الله الأرض في يوم الأحد ويوم الاثنين وباقيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء { للسائلين } الله حوائجهم، وقيل: كل ذلك بيان لما خلق للسائلين، وقيل: السائلين وغير السائلين { ثم استوى إلى السماء } أي قصد إلى خلق السماء، قيل: كان عرشه قبل خلق السماوات والأرض على الماء فأخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء وعلا عليه فأيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها أرضين، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع، ومعنى أمر السماء والأرض بالاتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه فوجدتا كما أرادهما فكانتا كذلك كالمأمون المطيع وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل { فقضاهن } أي تممهن { سبع سماوات في يومين } وفي خبر مرفوع أن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة والجن، وخلق آدم في آخر ساعة يوم الجمعة وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة، وقيل: إنما سميت الجمعة لاجتماع خلق السماوات والأرض وما فيها في ذلك الوقت، ومتى قيل: إذا قدر على أن يخلقها في طرفة عين فلم خلقها في هذه المدة؟ قالوا: ليعتبر فيها الملائكة فإنه أبلغ في الأدلة على قدرته، وقيل: ليعلم عباده أن الأناة خير من العجلة، وقيل: ليعلم الملائكة كيفية الترتيب والجمع والتفريق { وأوحى في كل سماء أمرها } ، إلى أهل كل سماء أمرها من الملائكة ما تعدهم من أمره ونهيه { وزينا } السماء الدنيا { بمصابيح } ، قيل: بالنجوم { وحفظا } لها من استراق السمع من الشياطين { ذلك } أي ما تقدم ذكره { تقدير العزيز العليم } الذي لا يمتنع عليه شيء.
Unknown page