[41.13-21]
{ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } الآية عن جابر بن عبد الله قال: قال الملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد فإن التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة فأتاه فكلمه، ثم أتانا ببيان عن أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي، فأتاه فقال: يا محمد أنت خير أم هشام أم عبد المطلب؟ فبم تشتم آلهتنا؟ فإن كنت تريد الرئاسة عقدنا لك اللواء وكنت رئيسنا، وإن بك الباءة زوجناك أي بنات قريش شئت، وإن كان بك الحاجة إلى المال جمعنا لك ما تستغني به، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساكتا، فلما فرغ قال: " { بسم الله الرحمن الرحيم حم } ، إلى قوله: { مثل صاعقة عاد وثمود } " ، فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، احتبس عنهم، قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبا، فانطلقوا اليه وقالوا له: قد صبوت، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا، وقال لهم: والله ما هو سحر ولا كهانة ولا شعر { إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم } ، قيل: من قبلهم ومن بعدهم ونقلت أخبارهم إليكم { ألا تعبدوا إلا الله قالوا } يعني الكفار للرسل: { لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون } { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة } ، وبلغ من قوتهم أن الرجل ينزع الصخرة من الجبل فيقلعها بيده { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون } { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا } أي باردة شديدة الهبوب والصوت، وقيل: شديدة السموم { في أيام نحسات } ، قيل: مشؤمات، وقيل: نحسات باردات { لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } أي عذاب الصيحة والذل { ولعذاب الآخرة أخزى } أشد في القضاء { وهم لا ينصرون وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } يعني هديناهم أي دللناهم وبينا لهم فاختاروا الكفر على الإيمان { فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } يعني لهيئتهم بذلك { بما كانوا يكسبون } { ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } { ويوم يحشر أعداء الله إلى النار } أي نجمع من قبورهم من سائر البقاع أعداء الله وهم الكافرون والعصاة { فهم يوزعون } يحبسون أولهم على آخرهم، وقيل: يسحبون من ورائهم ويجمعون من بين أيديهم، وقيل: يطردون ويساقون معجلا بهم إلى النار { حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم } قيل: أراد الجلود المعروفة تشهد بما باشرت، وقيل: أراد الفرج، ومتى قيل: وكيف تشهد الجوارح؟ قالوا: فيه وجهان: أحدهما أن يبنى بنية الحيوان ويعطى آلة النطق ويلجأ إلى الشهادة، والثاني أن يخلق الله الشهادة ويضاف إليها مجازا، والفائدة في شهادة الجوارح زيادة فضيحتهم، وقيل: إظهار العذاب { وقالوا } يعني الكفار { لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } أعطاها آلة النطق والقدرة { وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون } أي كما قدر على خلق جميع الأشياء قدر على انطاق الجوارح وإلى حكمه ترجعون.
[41.22-29]
{ وما كنتم تستترون } ، قيل: تستحقون، وقيل: ما كنتم تستترون معاصيكم عن الخلق فيما كنتم تسترون عن أنفسكم لأن الإنسان لا يمكنه أن يستر عن نفسه كما يستر عن غيره، وقيل: تتقون، وقيل: تظنون { أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون } أي بجهلكم بالتوحيد ظننتم أن أعمالكم تخفى على الله تعالى { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } بذلك يوم القيامة { فإن يصبروا فالنار مثوى لهم } فيه حذف، يعني أن يصبروا أو لا يصبروا { وإن يستعتبوا } يطلبوا أن يرضى الله عنهم فما الله براضي عنهم، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل { وقيضنا لهم قرناء } بالتخلية والتمكين، يعني لما كفروا واستبدلوا بالأنبياء والمؤمنين شياطين الإنس والجن وصاروا قرناء لهم، وأضافه إلى نفسه لأنه كان عند تخليته، وهذا لمن ترك العلم واشتغل بالسرقة مع اللصوص فتصير اللصوص بدلا من العلماء له قرناء، وتقديره خلينا بينه وبين قرناء السوء امتحانا فتبعوهم، وقوله: { قرناء فزينوا } قرناؤهم { ما بين أيديهم } من أمور الدنيا زينوا لهم حتى آثروها وعملوا لها { وما خلفهم } من أمور الآخرة دعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث، وقيل: رغبوهم في الدنيا وزهدوهم في الآخرة، وقيل: زينوا لهم الفساد الذي في زمانهم، وقيل: زينوا لهم إنكار البعث في الآخرة، وقيل: إنكار النبوة { وحق عليهم القول } ، قيل: وجب عليهم وعيده بالعذاب الذي أخبر أنه يعذب به من عصاه كما حق على أمم مضوا قبل هؤلاء { من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } خسروا الجنة ونعيمها { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } ، قيل: كان بعض المشركين يوصي بعضهم فيقول إذا رأيتم محمدا يقرأ فعارضوه بالزجر والاشعار فنزلت الآية، وذلك أن القوم لما عجزوا عن معارضته عدلوا إلى التواصي بترك استماعه، واللغو فيه قيل: التخليط في القرآن والتصفير، وقيل: الزجر والشعر، وقيل: الصياح { لعلكم تغلبون } يعني لتغلبوا محمدا على قراءته { فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون } نجازيهم على أعمالهم السيئة { ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون } { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس } يعني إذا أخذهم العذاب وعلم الاتباع أن البلاء حل بهم بسبب المتبوعين الذين أضلوهم فقالوا هذا القول وتمنوا أن يريهم، وقيل: اللذين أضلانا قيل: أراد ابليس من الجن وقابيل الذي قتل أخاه، وقيل: أراد الدعاة إلى الضلال وأئمة الكفر والبدع { نجعلهما تحت أقدامنا } في النار { ليكونا من الأسفلين } أي في الدرك الأسفل فيكون عذابهما أشد.
[41.30-35]
{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } قولا، وقيل: استمروا على الدين وثبتوا على الاعتقاد للتوحيد والعدل وعلى طاعته واجتناب معصيته، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" أدوا الفرائض "
، وقيل: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لعن الله اليهود، قالوا ربنا الله ثم لم يستقيموا " ، وكذلك النصارى، ورحم الله أمتي { قالوا ربنا الله ثم استقاموا } "
{ تتنزل عليهم الملائكة } عند الموت، وقيل : إذا خرجوا من قبورهم تستقبلهم الملائكة بهذا القول: { لا تخافوا ولا تحزنوا } الآية، وقيل: البشرى تكون في ثلاثة مواطن: عند الموت وفي القبر وفي البعث { ألا تخافوا } ، قيل: الخوف يتناول المستقبل والحزن يتناول الماضي وهذا نهاية المطلوب، وقيل: لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمور الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم في دنياكم من مال وولد { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } على ألسنة الرسل وفي الكتب { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا } أي تقول الملائكة لهم قيل: هم الحفظة، وقيل: ملائكة البشارة نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا { وفي الآخرة } بأنواع الكرامة { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } من أنواع النعم { ولكم فيها ما توعدون } ما تشاؤون { نزلا } أي رزقا، والنزل ما تضمنه لضيفه إكراما له { من غفور رحيم } من الله الذي يغفر الذنوب ويرحم { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } أي لا قول أحسن من قول من دعا إلى الله إلى توحيد الله وعدله، وعن ابن عباس: هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا إلى الإسلام { وعمل صالحا } فيما بينه وبين ربه وجعل الإسلام نحلة له، وقيل: هم جميع الأئمة والدعاة إلى الحق، وقيل: هم المؤذنون، وقيل: الآية الإقامة، وعمل صالحا صلى ركعتين بين الأذان والإقامة { وقال إنني من المسلمين } ، قيل: من المناقد من يقول أنا على دين محمد وعلى ملة إبراهيم أدعوكم إليه { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } يعني أنهما متفاوتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك، ومثال ذلك رجل أساء إليك إساءة فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثال ذلك أن يذمك فتمدحه، ويقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافيا لك، قال في الغرائب والعجائب عن علي (عليه السلام): " الحسنة حب آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والسيئة بغضهم " ، ثم قال: { وما يلقاها } أي ما يلقى هذه الخليقة والسجية التي هي مقابلة السيئة بالإحسان { إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } إلا أهل الصبر، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير، وعن ابن عباس: بالتي هي أحسن الصبر عند الغضب والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، وفسر الحظ بالثواب، وعنه: والله ما عظم دون الجنة، وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا للرسول فصار وليا.
Unknown page