[30]
قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } ؛ يعني آدم وذريته. واختلفوا في معنى الخليفة ، فروي : أن رجلا سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان : ما الخليفة ؛ وما الملك ؟ فقال طلحة والزبير : (ما ندري) وقال سلمان : (الخليفة : هو الذي يعدل في رعيته ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده ؛ ويقضي بكتاب الله تعالى). فقال كعب : (ما كنت أحسب أن أحدا يفرق الخليفة من الملك غيري ؛ ولكن الله ملأ سلمان علما وحلما وعدلا).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لسلمان : أملك أنا أم خليفة ؟ قال سلمان : (إن أنت جبيت أرض المسلمين درهما أو أكثر أو أقل ؛ ووضعته في غير حقه!! فأنت ملك. وإن أنت فعلت بالعدل والإنصاف فأنت خليفة) فاستغفر عمر رضي الله عنه.
وروي أن معاوية كان يقول إذا جلس على المنبر : (يا أيها الناس إن الخلافة ليست بجمع المال ولا تفريقه ؛ ولكن الخلافة العمل بالحق ؛ والحكم بالعدل ؛ وأخذ الناس بأمر الله عز وجل).
قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } ؛ أي يعصيك فيها ؛ { ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } ؛ أي نبريك من السوء ونصلي لك ونطهر أنفسنا لك. وقيل : اللام في (نقدس لك) زائدة ؛ أي نقدسك.
وقوله تعالى : { قال إني أعلم ما لا تعلمون } ، أي أعلم أنه سيكون فيهم أنبياء وقوم صالحون يسبحون بحمدي ويقدسون لي ويطيعون أمري. وروي : (أن الله لما خلق الأرض جعل سكانها الجن بني الجان ؛ وجعل سكان السموات الملائكة ؛ لأهل كل سماء عبادة أهون من التي فوقها ، وكان إبليس مع جند من الملائكة في سماء الدنيا ؛ وكان رئيسهم واسمه عزازيل. فلما أفسدت الجن بني الجان الذين سكنوا الأرض فيما بينهم وسفكوا الدماء وعملوا المعاصي بعث الله إليهم إبليس مع جنده ؛ فهبطوا إلى الأرض وأجلوا الجن منها ؛ وألحقوهم بجزائر البحار ؛ وسكن إبليس والجند الذين معه في الأرض. فلما أراد الله أن يخلق آدم وذريته ؛ قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس في الأرض : { إني جاعل في الأرض خليفة }. فتعجبوا من ذلك ؛ و{ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } كما فعلت الجن بنو الجان { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } فلما قالوا هذا القول خرجت لهم نار من الحجب واحترقت عشرة آلاف ملك منهم وأعرض الرب سبحانه عن الباقين حتى طافوا حول العرش سبع سنين يقولون : لبيك اللهم لبيك اعتذارا إليك.
قوله تعالى : { وعلم ءادم الأسمآء كلها } ؛ وذلك أن الله لما قال للملائكة : { إني جاعل في الأرض خليفة } قالوا فيما بينهم : يخلق ربنا ما يشاء ؛ فلن يخلق خلقا أفضل ولا أكرم عليه منا.
Page 36