[19]
قوله عز وجل : { أو كصيب من السمآء فيه ظلمات ورعد وبرق } ؛ هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لهم أيضا ؛ معطوف على المثل الأول ؛ أي مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ومثلهم أيضا كصيب. قال أهل المعاني : (أو) بمعنى الواو ؛ يريد (وكصيب) كقوله : { أو يزيدون }[الصافات : 147] وأنشد الفراء : وقد علمت سلمى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورهاأي : وعليها فجورها.
ومعنى الآية : مثل المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن { كصيب } أي كمطر نزل { من السمآء } ليلا على قوم في مفازة { فيه ظلمات ورعد وبرق } كذلك القرآن نزل من الله ، { فيه ظلمات } أي بيان الفتن وابتلاء المؤمنين بالشدائد في الدنيا ، { ورعد } أي زجر وتخويف ، { وبرق } أي تبيان وتبصرة. فجعل أصحاب المطر أصابعهم في آذانهم من الصواعق مخافة الهلاك ، كذلك المنافقون كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم من بيان القرآن ووعده ووعيده وما فيه من الدعاء إلى الجهاد مخافة أن يقتلوا في الجهاد. ويقال : مخافة أن تميل قلوبهم إلى ما في القرآن.
وعن الحسن أنه قال : (في الآية تشبيه الإسلام بالصيب ؛ لأن الصيب يحيي الأرض ، والإسلام يحيي الكفار. قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه }[الأنعام : 122]. وقوله تعالى : { كصيب } أي كأصحاب الصيب ؛ لاستحالة تشبيه الحيوان بالصيب تمثيل العاقل بغير العاقل.
وقوله تعالى : { من الصواعق } جمع صاعقة : وهي صوت وبرق فيه قطعة من النار لا تأتي على شيء إلا أحرقته. وقوله تعالى : { من السمآء } كل ما علاك فهو سماء ؛ والسماء تكون واحدا وجمعا ، قال الله تعالى : { ثم استوى إلى السمآء فسواهن سبع سماوات }[البقرة : 29]. وقيل : هو جمع واحده : سماوة ؛ والسموات جمع الجمع ، مثل جرادة وجراد وجرادات. والسماء تذكر وتؤنث ، قال الله تعالى : { السمآء منفطر به }[المزمل : 18] و{ إذا السمآء انفطرت }[الانفطار : 1].
وقوله تعالى : { فيه ظلمات } أي في الصيب ؛ وقيل في الليل : كناية عن غير مذكور. وظلمات : جمع ظلمة ؛ وضمه اللام على الاتباع لضمة الظاء. وقرأ الأعمش : (ظلمات) بسكون اللام على أصل الكلام ؛ لأنها ساكنة في التوحيد. وقرأ أشهب العقيلي : (ظلمات) بفتح اللام ؛ لأنه لما أراد تحريك اللام حركها إلى أخف الحركات ؛ كقول الشاعر : فلما رأونا باديا ركباننا على موطن لا تخلط الجد بالهزلقوله تعالى : { ورعد } الرعد : هو الصوت الذي يخرج من السحاب ، { وبرق } وهي النار التي تخرج منه. قال مجاهد : (الرعد : ملك يسبح بحمده ؛ ويقال لذلك الملك : رعد ، ولصوته أيضا رعد). وقال عكرمة : (الرعد : ملك موكل بالسحاب يسوقها كما يسوق الراعي الإبل). وقال شهر بن حوشب : (هو ملك يزجر السحاب كما يزجر الراعي الإبل). والصواعق أيضا المهالك ؛ وهي جمع صاعقة ؛ والصاعقة والصامعة والمصعمة : كالهلاك. ومنه قيل : صعق الإنسان إذا غشي عليه ؛ وصعق إذا مات.
قوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } ؛ أي مخافة الموت. وهو نصب على المصدر. وقيل : بنزع الخافض. وقرأ قتادة : (حذير الموت). قوله تعالى : { والله محيط بالكافرين } ؛ أي عالم بهم ؛ يدل عليه قوله تعالى : { وأن الله قد أحاط بكل شيء علما }[الطلاق : 12]. وقيل : معناه : والله مهلكهم وجامعهم في النار ؛ دليله{ أن يحاط بكم }[يوسف : 66] أي تهلكوا جميعا.
Page 25