[9]
قوله عز وجل : { يخادعون الله والذين آمنوا } ؛ أي يخالفون الله ويكذبونه ويكذبون المؤمنين. ويخالفونهم في ضمائرهم وهم المنافقون. وأصل الخدع في اللغة الاختفاء ؛ ومنه قيل للبيت الذي يخبأ فيه المتاع : مخدع ؛ فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر. وقال بعضهم : أصل الخداع في اللغة : الفساد. وقال الشاعر : أبيض اللون لذيذ طعمه طيب الريق إذا الريق خدعأي فسد ، فيكون المعنى : مفسدون ما أظهروا بألسنتهم مما أضمروا في قلوبهم. وقيل : معناه : يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { فلمآ آسفونا انتقمنا منهم }[الزخرف : 55] أي آسفوا نبينا. وقوله تعالى : { الذين يؤذون الله ورسوله }[الأحزاب : 57] أي أولياء الله ؛ لأن الله تعالى لا يؤذى ولا يخادع. وقد يكون المفاعلة من واحد كالمسافرة.
فإن قيل : ما وجه مخادعتهم الله ؛ وهو لا يخفى عليه شيء ؟ وما وجه مخادعة المؤمنين ومخادعة أنفسهم ؟ قيل : المخادعة الإخفاء ، يقال : انخدعت الضبية في جحرها. والله تعالى لا يخادع في الحقيقة ، ولكن أطلق عليه اسم المخادعة لما فعلوا فعل المخادعين. ولو كان يصح لهم خداعهم لقال : يخدعون الله. وقيل : معناه : يخادعون رسول الله.
وأما مخادعة المؤمنين ، فإظهارهم لهم الإسلام تقية ؛ وقيل : إظهار الإسلام لهم ليكرموهم ويبجلوهم. وقيل : أظهروا لهم ذلك ليفشوا إليهم سرهم فينقلوه إلى أعدائهم. وأما مخادعة أنفسهم فضرر ذلك عليهم. قال الله تعالى : { وما يخدعون إلا أنفسهم } ؛ لأن وبال الخداع عائد إلى أنفسهم فكأنهم في الحقيقة إنما يخدعون أنفسهم.
قوله تعالى : { وما يشعرون } ؛ أي وما يعلمون أنه كذلك. والشعر : هو العلم الدقيق الذي يكون حادثا من الفطنة ؛ وهو من شعار القلب ؛ ومنه سمي الشاعر شاعرا لفطنته لما يدق من المعنى والوزن ، ومنه الشعر لدقته. ويقال : ما شعرت به ؛ أي ما علمت به. وليت شعري ما صنع فلان ؛ أي ليت علمي.
واختلف القراء في قوله تعالى : { وما يخدعون } فقرأ نافع ؛ وابن كثير ؛ وأبو عمرو : (يخادعون) بالألف. وقرأ الباقون : (يخدعون) بغير ألف على أشهر اللغتين وأفصحهما ؛ واختاره أبو عبيد. ولا خلاف في الأول أنه بالألف.
Page 15