Tafsir
تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني
[136]
قوله تعالى : { قولوا آمنا بالله } ؛ الآية ، وذلك أنه جاء أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : بمن نؤمن من الأنبياء ؟ فأنزل الله : { قولوا آمنا بالله } ؛ { ومآ أنزل إلينا } ؛ يعني القرآن ، { ومآ أنزل إلى إبراهيم } ؛ وهي عشرة صحف ، { وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } ؛ يعني أولاد يعقوب واحدهم سبط ، سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة من الناس ، وسبط الرجل : حافده ، ومنه قيل للحسن والحسين : سبطين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب ؛ والشعوب من العجم ، فكان في الأسباط أنبياء ؛ فلذلك قال الله تعالى { ومآ أنزل } إليهم ؛ وقيل : هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء.
وقوله تعالى : { ومآ أوتي موسى } ؛ يعني التوراة ، { وعيسى } ؛ يعني الإنجيل ، { وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } ؛ أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، بل نؤمن بجميع أنبياء الله وكتبه ؛ فلما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى وقال : " إن الله أمرني بهذا " فلما سمعت اليهود بذكر عيسى أنكروا وكفروا وقالوا : لا نؤمن بعيسى. قالت النصارى : إن عيسى ليس بمنزلة الأنبياء ولكنه ابن الله ، فأنزل الله تعالى قوله تعالى : { فإن آمنوا بمثل مآ آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق } ؛ أي فإن آمنوا بجميع ما آمنتم به كإيمانكم. قيل : معناه : فإن آمنوا بما آمنتم به.
و(مثل) هنا صلة ، وهكذا كانوا يقرأونها. كان يقرؤها ابن عباس ويقول : إقرأوا (فإن آمنوا بما آمنتم به) فليس لله مثل. وقيل : بمعنى (على). وقيل : الباء زائدة. ومعنى الآية : إن آمنوا بالله ورسله وكتبه فقد اهتدوا.
وقوله تعالى : { وإن تولوا } أي وإن أعرضوا عن الإيمان بالقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم { فإنما هم في شقاق } أي خلاف وعداوة ، يقال : فلان وفلان تشاقا ؛ أي أخذ كل واحد منهم بشق غير شق صاحبه. دليله قوله تعالى حاكيا عن شعيب : { وياقوم لا يجرمنكم شقاقي }[هود : 89] أي خلافي. وقيل : مأخوذ مما أخذ كل واحد فيما يشق على صاحبه. وقال مقاتل : (معناه : فإنما هم في ضلال). وقال الكسائي : (معناه : فإنما هم في خلع الطاعة). وقال الحسن : (معناه : فإنما هم في بعاد وفراق إلى يوم القيامة).
وقيل : لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى : { ومآ أوتي موسى وعيسى } قالت النصارى : لن نؤمن بموسى ولا نؤمن بك ، فأنزل الله تعالى : { قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منآ إلا أن آمنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون }[المائدة : 59].
وإنما أضاف الله الإنزال إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإنما كان الإنزال على آبائهم ؛ لأنهم كانوا جميعا يعلمون ذلك ، فأضاف الإنزال كما قال : { قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا } أي إلى نبينا.
قوله تعالى : { فسيكفيكهم الله } ؛ يعني اليهود والنصارى ؛ أي فسيكفيكهم الله يا محمد وسائر المسلمين شر اليهود والنصارى ، { وهو السميع } ، لأقوالهم ، { العليم } ، بأحوالهم ، فكفاه الله أمرهم بالقتل والسبي في بني قريظة ؛ والجلاء والنفي في بني النضير ؛ والجزية والذلة في نصارى نجران.
Page 128