86

Tafkir Naqdi

التفكير النقدي

Genres

من الناحية النظرية، يمكن لإعادة تأليف منهج مهارات التفكير العليا أن يوصلنا إلى ما نريد، لكن مثل ذلك التحول الكبير غير عملي وغير وارد الحدوث أيضا؛ إذ لم نعد نعيش في حقبة تتوصل فيها لجنة من عشرة أعضاء إلى منهج موحد يعتمده الجميع. إضافة إلى ذلك، يوجد العديد من الأولويات الشرعية المتصارعة في مجال التعليم؛ مثل تعليم الطلاب القراءة والكتابة وفهم الرياضيات والعلوم، أو تنشئتهم ليصبحوا لائقين بدنيا واجتماعيا، ودعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. يجب أن تعيش هذه الأولويات جنبا إلى جنب مع الرغبة في تعليم الطلاب طرق التفكير المفيدة، حتى إذا أمكن تطبيق مهارات التفكير النقدي على كل هذه الأهداف الأخرى.

إذا كان لنا أن نبني على ما نعرفه مما ناقشناه في الفصل الأخير عن تعليم التفكير النقدي، مع فهم العقبات التي تواجه المعلمين في عملهم، فيجب أن نوفر الموارد التي تعين المعلمين على دمج طرق تدريس التفكير النقدي «الصريحة» و«الممارسة» المدروسة في المناهج التي يدرسونها بالفعل بطرق تشجع على «الإحالة».

لقد قرأت بالفعل أمثلة على معلم الرياضيات الذي يستخدم البراهين الهندسية كي يعرف الطلاب على المبادئ العامة للحجج الاستنباطية، أو مدرس العلوم الذي لا يقتصر تطبيقه للطريقة العلمية على محتوى العلوم فحسب. ربما تبدو تلك تغييرات بسيطة في الطرق والأولويات، لكنها قد تؤدي إلى تحسينات كبيرة في التفكير النقدي بوجه عام، وقد استوعب العديد من المعلمين بالفعل طرق التفكير النقدي الخاصة بتخصصاتهم، حتى وإن لم يمتلكوا الخبرة في تدريس تلك الطرق على نحو صريح، أو في ربطها بالممارسة المدروسة التي تدعم القدرة على التفكير المنطقي التي يمكن إحالتها.

ويشير كتاب جون ديوي «كيف نفكر» الصادر عام 1910، الذي يعد «الأساس» في فهم التفكير النقدي وتدريسه، إلى أساليب قد تساعد معلمي اليوم على تحقيق هدف تنشئة مفكرين.

وحسبما ذكرنا، اعتمدت أفكار ديوي على مفهوم براجماتي يتمثل في أن الطلاب يميلون إلى التفكير مدفوعين في ذلك برغبة في تبديد الشك، لكن هذا الشك لا ينبت في عقول الطلاب حينما يمتلك المعلمون جميع الإجابات. لذا، ينبغي أن تركز الاستراتيجيات الجديدة لتدريب المعلمين وتوزيع الموارد والاستراتيجيات التربوية على الاستغناء عن أوراق العمل والاختبارات المكونة من أسئلة لها إجابات صحيحة أو خاطئة، أو حتى الجمع بينها وبين أسئلة وأحجيات مصممة لغرس الشك المحفز، المقترن بأساليب لتوجيه التفكير بطرق تبدد ذلك الشك بطرق مثمرة فكريا. ويمكن لهذه الممارسات أن تعين الطلاب على تكوين عادات فكرية تستمر معهم بينما ينتقلون من صف دراسي إلى آخر، ونأمل أن تنتقل معهم من مادة دراسية إلى أخرى ومن نطاق المدرسة إلى نطاق الحياة.

شهدت الغالبية منا على مدار حيواتهم، تطبيق أولويات تعليمية جديدة لاقت مستويات كبيرة من الدعم على المستويين الوطني والمحلي، وحتى على مستوى الفصل. وقد نبعت بعض هذه الأولويات من حركات المساءلة التي تدعو إلى وضع معايير أكاديمية صارمة، واختبارات منتظمة لتحديد إذا ما كان الطلاب يحرزون تقدما ملائما أم لا. وبصرف النظر عن آرائنا الشخصية في هذه الأولويات، فقد شهدنا تضافر حكومات ومنظومات تعليمية ومنظمات غير هادفة للربح والقطاع الخاص من أجل تحقيق هدف تعليمي مشترك. إذا تمكن الدعم الحقيقي لتعليم التفكير النقدي من تحقيق أي جزء ولو صغير من هذا الدعم، ففيما يلي بعض النقاط المؤثرة التي ينبغي استهدافها: (1) أولويات للمعلمين (1-1) الحرص على أن تحتوي المعايير الأكاديمية الجديدة على بعض مبادئ التفكير النقدي القابلة للإحالة

كما ورد في هذا الكتاب، تركز بعض المعايير المهمة مثل المعايير الحكومية الأساسية المشتركة التي وضعتها الولايات المتحدة على مهارات التفكير النقدي المرتبطة بأنشطة مثل الكتابة الجدلية . وبالمثل، نتج جيل جديد من معايير العلوم والدراسات الاجتماعية يتجاوز المعرفة القائمة على المحتوى ويبلغ منطقة التفكير النقدي بفئات جديدة من المعايير، مثل المفاهيم الشاملة التي تغطي المجالات أو الأبعاد العلمية، وتركز على وضع الأسئلة وتقييم المصادر واستخدام الأدلة في التاريخ وغيرها من مواد الدراسات الاجتماعية.

2

عندما يصبح تطوير مهارات التفكير النقدي القابلة للإحالة أولوية تعليمية حقيقية لا محل حديث فحسب، فإن المهارات الواردة بين دفتي الكتاب ستوجه التطوير المستمر للمعايير وتنفيذها في كل التخصصات على المستويين المحلي والوطني. (1-2) تعديل الأنظمة الحالية من أجل إعداد المعلمين لإدخال التدريس الصريح لمبادئ التفكير النقدي والممارسة المدروسة لمهارات التفكير النقدي في دروس المواد التي يدرسونها

تتناول الدورات التعليمية الخاصة بطرق التدريس في معظم كليات التربية طرق تدريس المحتوى، وتركز تلك الدورات على أصول التدريس العامة، وكذلك أساليب تدريس مواد دراسية معينة مثل الرياضيات والعلوم. ويمكن لتعديل تلك الدورات التدريبية كي تشمل طرق إدخال التدريس الصريح لمبادئ التفكير النقدي وفرص ممارسة مهارات التفكير النقدي، أن تسرع من تعميم استراتيجيات التشريب والاستراتيجيات المختلطة لتدريس التفكير النقدي المذكورة في الفصل الأخير. نظرا إلى ارتفاع معدل الدوران في مهنة التدريس بما في ذلك الأعداد الكبيرة لعمليات التقاعد المتوقعة على مدار العقد القادم، فإن تعديل تلك الدورات التدريبية لطرق التدريس بحيث تركز على تدريس مهارات التفكير النقدي يمكن أن تسرع من هذا التغيير من دون الإخلال بالهيكل العام للمنهج الدراسي.

Unknown page