76

Scenes from the Lives of the Companions

صور من حياة الصحابة

Publisher

دار الأدب الاسلامي

Edition Number

الأولى

رَاحَ إِلَيْهِ قَبْلَ مَنَامِهِ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَعَلَّقَهُ بِرَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ:

يَا ((مَنَاةُ))، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ هَذَا الَّذِي تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَادْفَعِ الشَّرَّ عَنْ نَفْسِكَ، وَهَذَا السَّيْفُ مَعَكَ ... ثُمَّ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ.

فَمَا إِنِ اسْتَيْقَنَ الفِتْيَةُ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ قَدْ غَطَّ فِي نَوْمِهِ حَتَّى هَبُّوا إِلَى الصَّنَمِ؛ فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ وَذَهَبُوا بِهِ خَارِجَ المَنْزِلِ، وَقَرَنُوهُ(١) إِلَى كَلْبٍ مَيِّتٍ بِحَبْلٍ، وَأَلْقَوْا بِهِمَا فِي بِئْرٍ لِـ سَلَمَةَ تَسِيلُ إِلَيْهَا الأَقْذَارُ وَتَتَجَمَّعُ فِيهَا.

فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الشَّيْخُ وَلَمْ يَجِدِ الصَّنَمَ خَرَجَ يَلْتَمِسُهُ؛ فَوَجَدَهُ مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ فِي البِئْرِ، مَقْرُوناً إِلَى كَلْبٍ مَيِّتٍ، وَقَدْ سُلِبَ مِنْهُ السَّيْفُ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ هَذِهِ المَرَّةَ مِنَ الحُفْرَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ حَيْثُ أَلْقَوْهُ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ إِلَهَاً لَمْ تَكُنْ أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنٍ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ.

***

تَذَوَّقَ عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ مِنْ حَلاوَةِ الإِيمَانِ، مَا جَعَلَهُ يَعَضُّ بَنَانَ النَّدَم عَلَى كُلِّ لَحْظَةٍ قَضَاهَا فِي الشِّرْكِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الدِّينِ الجَدِيدِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَوَضَعَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

***

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى كَانَتْ (أُحُدٌ)، فَرَأَى عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ أَبْنَاءَهُ الثَّلَاثَةَ يَتَجَهَّزُونَ لِلِقَاءِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِمْ غَادِينَ رَائِحِينَ كَأُسُدِ الشَّرَى(٢) وَهُمْ يَتَوَقَّدُونَ شَوْقاً إِلَى نَيْلِ الشَّهَادَةِ وَالفَوْزِ بِمَرْضَاةِ اللَّهِ، فَأَثَارَ المَوْقِفُ حَمِيَّتَهُ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَغْدُوَ مَعَهُمْ إِلَى الجِهَادِ تَحْتَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(١) قرنوه إلَى كلب: ربطوه معه.

(٢) أُسُد الشَّرَى: أُسُدُ الغَاب.

80