Scenes from the Lives of the Companions
صور من حياة الصحابة
Publisher
دار الأدب الاسلامي
Edition Number
الأولى
Genres
وَلَكِنْ لَا بَأْسَ، فَسَأَتْرُكُكَ أَيَاماً حَتَّى يَسْكُتَ عَنْكَ الْغَضَبُ.
***
كَانَ أَبْنَاءُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ يَعْرِفُونَ مَدَى تَعَلُّقِ أَبِيهِمْ بِصَنَمِهِ ((مَنَاةَ))، وَكَيْفَ أَنَّهُ غَدَا مَعَ الزَّمَنِ قِطْعَةً مِنْهُ، وَلَكِنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَنَّهُ بَدَأَتْ تَتَزَعْزَعُ مَكَانَتُهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ نَفْسِهِ انْتِزَاعاً، فَذَلِكَ سَبِيلُهُ إِلَى الإِيمَانِ.
***
أَدْلَجَ(١) أَبْنَاءُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ مَعَ صَدِيقِهِمْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِلَى ((مَنَاةَ)) فِي اللَّيْلِ، وَحَمَلُوهُ مِنْ مَكَانِهِ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى حُفْرَةٍ لِبَنِي ((سَلَمَةَ)) يُلْقُونَ فِيهَا أَقْذَارَهُمْ، وَطَرَحُوهُ هُنَاكَ، وَعَادُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَمْرُو دَلَفَ(٢) إِلَى صَنَمِهِ لِتَحِيَّتِهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ:
وَيْلَكُمْ، مَنْ عَدَا عَلَى إِلَهِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟! ... فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ.
فَطَفِقَ(٣) يَبْحَثُ عَنْهُ فِي دَاخِلِ البَيْتِ وَخَارِجِهِ، وَهُوَ يُرْغِي وَيُزْبِدُ(٤) وَيَتَهَدَّدُ وَيَتَوَعَّدُ حَتَّى وَجَدَهُ مُنَكَّساً عَلَى رَأْسِهِ فِي الحُفْرَةِ، فَغَسَلَهُ، وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ وَقَالَ لَهُ:
أَمَّا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا لَأَخْرِئَنَّهُ.
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَدَا الفِتْيَةُ عَلَى ((مَنَاةَ)) فَفَعَلُوا فِيهِ مِثْلَ فِعْلِهِمْ بِالأَمْسِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الشَّيْخُ الْتَمَسَهُ(٥) فَوَجَدَهُ فِي الحُفْرَةِ مُلَطَّخاً بِالأَقْذَارِ، فَأَخَذَهُ وَغَسَلَهُ وَطَيَّبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ.
وَمَا زَالَ الفِتْيَةُ يَفْعَلُونَ بِالصَّنَمِ مِثْلَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً؛
(١) أدلج: سار ليلاً.
(٢) دلف: مَشَى في هدوء.(٤) يُرْغِي ويُزْبِد: كناية عن شِدَّة الغضب وهيجان النفس.
(٣) طفق يبحث: أخذ يبحث.(٥) الْتَمَسَه: بحث عنه وطلبه.
79