Sultan Muhammad Fatih
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Genres
عوامل النصر
ما هي الأسباب التي جعلت من العثمانيين في عهد محمد الفاتح قوة متفوقة من الطراز الأول إن لم تكن أعظم قوة في القرن الخامس عشر الميلادي.
لقد تحدثنا عن شخصية السلطان محمد الثاني وعبقريته وقوته الدافعة، وهناك عوامل مهمة ساعدت هذه العبقرية على الوصول إلى مآربها، منها أن الدولة العثمانية دولة نشأت في حوض البحر الأبيض المتوسط في ملتقى الطرق العالمية فتأثرت بحضارة الشرق والغرب معا، فمن الوجهة التاريخية تعتبر آسيا الصغرى التي أصبحت فيما بعد مركزا للأتراك العثمانيين، تعتبر جزءا من الغرب منذ ذلك الوقت الذي خاض فيه الإسكندر موقعة إسوس ضد الفرس إلى الوقت الذي قامت فيه موقعة منذكرت بين السلطان ألب أرسلان السلجوقي والدولة البيزنطية وانتهت بانتصار السلاجقة الحاسم. فليست الدولة العثمانية التي نشأت وترعرعت في الأناضول دولة شرقية فحسب، ثم إن ممتلكاتها نمت في أوروبا وآسيا في وقت واحد، كما أن سكانها لم يكونوا ينتمون إلى العناصر الشرقية وحدها، بل كان عدد كبير من الأتراك العثمانيين أوروبيين بلقانيين صقالبة وإغريق. وحتى سكان آسيا الصغرى نفسها لا يرجعون كلهم إلى أصل تركي نقي، ففيها العنصر المسيحي الأوروبي الأصلي لا يستطاع إهماله، فيخطئ من يظن أن الدولة العثمانية في عهد الفاتح أو قبله بقليل كانت دولة شرقية بحتة، حضارتها شرقية خالصة.
ومن ناحية ثانية الدولة العثمانية دولة مسلمة حنيفة حديثة العهد بالإسلام شديدة التمسك به؛ فهي كبيرة الحماس له، سباقة إلى الجهاد في سبيل نشره، فكان الدين الإسلامي مفخرتها وأداة وحدتها، والجهاد في سبيل الله وسنة رسوله من الدوافع التي تحفزها للحياة وللبقاء والانتصار.
جعل الأتراك العثمانيون في باكورة حياتهم الجهاد غرضا من أسمى الأغراض التي ترمي إليها دولتهم، وتوسيع رقعة الإسلام من أهم أهدافهم، وزيادة عدد الذين ينطقون بالشهادتين من أعظم عناياتهم؛ فهم كالعرب في بدء حياتهم الإسلامية كل تركي ككل عربي محارب بطبيعته، لا قيمة للرجل إلا بسلاحه، ولا مركز له إلا بسابقته وجهاده وانتصاره.
وبعد ذلك فالأتراك لا يزالون في شبابهم، ولا يزالون يملكون القوة الكافية، ولديهم حيوية لم ينضب بعد معينها، ولم تفارقهم طوال تاريخهم حتى في أشد أوقات محنتهم؛ فهم شعب جديد لا يزال يتمتع ببساطته الأولى لم تفسده المدنية، ولم تفتنه الحضارات المضمحلة التي كانت منتشرة في كل البلاد التي هاجر إليها والتي فتحها. ولكنه استفاد من كل هذه الحضارات أحسن ما فيها. فلقد ورث عن التتار صفات السيطرة والميل للفتح والقهر، وتشرب الميول والأفكار التي تساعد على القوة والميل للتجمع حول زعيم لغرض الفتح والانتصار الحربي، وكانت عنده المقدرة على الحكم والإدارة، واستفاد من الحضارة العربية نظاما دينيا واجتماعيا وقانونيا إسلاميا لا زال محتفظا بحيويته ونقائه وصلاحيته للبقاء، وأخذ عن الإغريق والبلقانيين بعض نظمهم وتقاليدهم. لقد اكتملت لدى الأتراك العثمانيين كل الصفات القوية التي أصبحت تنقص معظم الشعوب المعاصرة لهم.
أما من حيث نظام الحكم فلقد بلغ درجة كبيرة من الإتقان والدقة في عصر الفاتح، هذا النظام يشبه إلى حد النظام المملوكي في مصر وإن كان يختلف عنه من بعض الوجوه. نظام وضع لاختيار من يرشحون لتولي أمور الدولة، نظام يعنى أولا بانتقائهم ثم بتدريبهم وتثقيفهم، ثم اختيار ما تؤهله صفاته العقلية والجسمية ومواهبة للوظائف التي تتناسب وهذه المؤهلات.
يشمل نظام الحكم الهيئة التنفيذية، وهذه على رأسها السلطان وتتكون من البلاط والإدارة والجيش القائم من فرسان ومشاة.
والسلطان هو رأس نظام الحكم كله ومركزه وقوته الدافعة، وهو أداة توحيده وتسييره، وهو صاحب التصرف المطلق في الأموال والأنفس، وهو الذي يصدر الأوامر ويمنح الرتب ويفرق النعم والخيرات، لا توجد سلطة أو قانون يحد من سلطته ولا رقيب عليه إلا الله والشرع، فأوامره تأتي في الأهمية بعد كتاب الله وسنة رسوله، ومجموعة خطوطه الشريفة ومراسيمه وأوامره هي قوانين الدولة بعد القانون الإسلامي.
ولذا فالسلطان بالرغم من اتساع سلطته لا يجرؤ على مخالفة الشرع الشريف، فهو يستفتى في أمور الدولة المهمة وفي الأمور التي لها صفة دينية، ومن هنا نشأت وظيفة المفتي في الدولة العثمانية، وأصبحت هذه الوظيفة مهمة جدا بالرغم من أن ذلك الموظف الكبير كان كبقية الموظفين الآخرين قابلا للعزل، إلا أنه لم يكن هناك مفر للسلطان من أن يستشيره حتى يكون مطمئنا أمام نفسه وأمام الرأي العام الإسلامي.
Unknown page