Sirr Fasaha
سر الفصاحة
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الطبعة الأولى ١٤٠٢هـ_١٩٨٢م
وقال أبو القاسم: فإن قال قائل إن هذا الذي أنكرته من تشبث الكلام بعضه ببعض وتعلق كل لفظة بما يليها وإدخال كلمة من أجل أخرى تشبهها وتجانسها هو المحمود من الكلام وليس من المعاظلة في شئ ألا ترى أن البلغاء والفصحاء لما وصفوا ما يستجاد ويستحب من النثر والنظم.
قالوا: هذا كلام يدل بعضه على بعض ويأخذ بعضه برقاب بعض. قيل: هذا صحيح من قولهم ولم يريدوا به هذا الجنس من النظم والنثر ولا قصدوا هذا النوع من التأليف وإنما أرادوا المعاني إذا وقعت ألفاظها في مواقعها وجاءت الكلمة مع أختها المشاكلة لها التي تقتضي أن تجاورها بمعناها أما على الاتفاق أو التضاد حسبما توحيه قسمة الكلام وأكثر الشعر هذا سبيله. وذلك نحو قول زهير:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولًا لا أبالك يسأم
لأنه قال في أول البيت: سئمت.
وقال: ومن يعش ثمانين حولا اقتضى أن يكون في آخره يسأم.
وكذلك قوله:
والستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر
فالستر الأول اقتضى الستر الثاني.
وكذلك قول امرئ القيس:
فإن تكتموا الداء لا نخفه ... وإن تقصدوا الذم لا نقصد
فإن كل لفظة تقتضي ما بعدها
فهذا هو الكلام الذي يدل بعضه على بعض ويأخذ بعضه برقاب بعض وإذا أنشدت صدر البيت علمت ما يأتي من عجزه فالشعر الجيد أو أكثره على هذا مبنى وهذا الذي ذكره أبو القاسم ﵀: صحيح ويجب أن
1 / 159