Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
وفي آخر الليل كان قد تجمع لديه كل ما طلبه من أخبار، إلا أنه لم يجد فيها أبدا مبتغاه، وهو ما ينبئ عن اقتراب رحيل التبع ذو اليزن عن البقاع، بل وعن لبنان والشام بأكمله، صرخ الملك من جديد وقد اعترته النوبة: ألم يطب لأولئك البدو الغزاة الإقامة والمقام في بلاد الله الواسعة، سوى هنا وعلى عتبات بواباتنا؟
استدار ضاربا كفا بكف: أتكتم أنفاسنا ليل نهار على هذا النحو؟
كان ملك بعلبك قد أصدر أوامره لعماله وحكامه بالصمت، منذ نزول التبع وجيشه فلم يعد يسمع في كل جنبات المدينة لهوها وصخبها وما اشتهرت به من أفراح ودبكات ورقص وغناء حتى مطلع كل فجر.
لذا بدت المدينة في الأيام الأخيرة صامتة مترقبة، يشيع في جنباتها التوجس المطبق ولا شيء غيره. - إلى متى؟
تساءل الملك متفرسا في وجوه المحيطين منه من وزراء ومستشارين وقواد: إنه الحبس، الأسر بعينه، ما أصبحنا وأمسينا فيه داخل أسوارنا.
مرة أخرى عاوده هدوءه وتماسكه معاودا التساؤل: أما من حيلة؟ - حفلة على شرف التبع.
تفوه الملك مفكرا: مسمومة!
وأخذا بمقولة خير البر عاجله اندفع الملك من فوره معدا كل شيء بدقة وحذر شديدين.
حتى إذا ما أشرف بنفسه على دقائق خدعته الجديدة، توجه من فوره إلى حيث يربض حرسه عاقدا عزمه على المسير إلى مضارب التبع ذو اليزن لدعوته للحفل، ودعوة وزرائه وكل قواده وأمرائه وحتى كبار جنده لحفلة العمر التي ستشهدها سهول بعلبك تلك الليلة. - ليفرح الجميع، وتتوثق عرى الصداقة والمحبة، الليلة!
وسريعا ما استحال ليل روابي ومنحدرات وقصور وبساتين بعلبك، إلى نهار جلي وواضح، بعدما انتشرت محارق نيران الشواء والطهي وأضيئت الفوانيس والمشاعل والشمعدانات ذات الأفرع الثمانية، وعمت البهجة الجموع وانتشرت حلقات الرقص الجماعي العملاقة (الدبكة) وعلت الموسيقى وصاحت المغنيات، ومدت السماطات والأبسطة والموائد الخشبية والنحاسية والمرمرية.
Unknown page