Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
وانتهت آراء ذلك البعض إلى أهمية الاستعداد للحرب واتخاذ الهجوم كخير وسائل الردع والدفاع، بدلا من أن يبدأ هو - أي التبع - هجومه، خاصة بعدما تعرف عن قرب على حجم الجيش وعتاده وأساليب قتاله.
وتزايدت مخاوف الملك بعلبك من الاندفاع والأخذ بهذا الرأي، فمن يدري؟ لعل ذلك التبع اليمني صادق في قوله ونواياه، وأنه حقا يشغله بحثه الذي يركب له كل الصعاب والمخاطر، بحثا عن: كتاب النيل ومنابعه.
تساءل ملك بعلبك: من يدري؟ فقد نخسر كل شيء في حربنا مع اليمنيين، وما عرف عنهم من بأس وجلد على المنازلة والقتال.
وأعاد الجميع إلى الأذهان سيرة تبعهم حسان اليماني وتجبره في حروبه مع «آل مرة» والتغلبيين، وما أقدمت عليه يداه من صلب وقطع رقاب ما تزال تخضب آثارها بوابات دمشق.
ثم ها هي ذي الحرب التي أشعلت فتنتها عمته البسوس، تلتهم الجميع معا من آل مرة والتغلبيين، وفي كل عام يتزايد أوارها مستعرا متفاقما. - حرب البسوس.
غمغم ملك بعلبك، متجها كالمأخوذ إلى حيث شرفة قصره الشمالية المطلة على فلول مضارب جيش التبع وقبائله النازلة في سهول البقاع: حرب البسوس بين أبناء البيت الواحد ومن يدري؟ لعل لهيبها وشررها سيصلنا هنا في ربوع هذه البقاع.
استدار من جديد عائدا حيث وفد مستشاريه وقواده، ساترا بكفه جانب وجهه المكفهر عن تلك العيون المحيطة المتطلعة إليه، وكأنها إنما تتطلع مشدوهة إلى إنسان آخر غيره، فهم لم يعتادوا من قبل أن يروا مليكهم على هذا النحو من الاكفهرار والتخاذل وهو يكرر تساؤله المؤرق: من يدري؟!
بل إن ما ضاعف من شكوك ملك بعلبك أكثر فأكثر هو مجيء التبع بجيوشه إلى البقاع، بدلا من نزوله وجيشه إلى دمشق وفلسطين لأخذ ثأر عمه من كليب بن ربيعة وآل مرة، ثم انفجر ملك بعلبك غاضبا حين تسرع أصحاب الرأي المتصلب المطالب بالهجوم قبل أن يبدأه اليمنيون صائحا: نحن لسنا في لعبة مراهنة، فأين نحن - حراس الأرز - من حمير وتباعنتها؟
هب الملك عن كرسيه، كمن يعاني اختناقا من هول ما يحدث، متذكرا هيئة أمير بني ربيعة مصلوب الرأس إلى أسفل على مدخل دمشق، وقد غاب عنه دمه المنحبس في عروقه، جاحظ العينين غارقا في صمته وآلامه المبرحة.
وما إن استرد ملك بعلبك عافيته حتى عاوده صفاء ذهنه، فطالب ناصحيه بالتروي والعمل في صمت وضبط النفس إلى حين عودة عيونه وبصاصيه المنبثين بين جموع اليمنيين ومضاربهم في آخر الليل ومعرفة حقيقة ما يحدث. - ما الخبر؟
Unknown page