Sinima Wa Falsafa
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Genres
10
لا بد لأنظمة الردع الفعالة جعل الجدوى المتوقعة من مخالفة القانون منخفضة على نحو جذري لدرجة تجعل أي بديل آخر مفضلا عليها بجلاء دون حاجة إلى التوصل لأحكام شديدة التدقيق حول الجدوى النسبية المتوقعة.
هل يقدم فرض الأخلاق عموما عبر أنظمة ردع فعالة حلا للتحدي الذي نطرحه؟ تذكر أن التحدي هو تقليل الفجوة بين الأخلاق والمصلحة الذاتية. تبرز بعض المشكلات فيما يتعلق بالاحتكام لفرضية الردع. أولا: لا تساعدنا هذه الفرضية على الكيفية التي تنصر الأخلاق على المصلحة الذاتية في غياب نظام ردع فعال. (ربما تكون الإجابة هنا هي أنه عند غياب ذلك النظام، لا تنتصر الأخلاق على المصلحة الذاتية، لكن كثيرا من الفلاسفة يرون أن هذه نتيجة محبطة ولا يمكن تصديقها.) ثانيا: نظام ردع فعال لن يستبعد احتمالية المجرم العبقري، وهو فرد يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والقسوة الذي يمكنه من جعل الجدوى المتوقعة تميل لصالح خرق القانون. قد يكون أولئك الأشخاص نادري الوجود؛ ومن ثم فمن المستبعد أن يمثلوا مشكلة اجتماعية كبرى، لكنهم يمثلون مشكلة فلسفية. المجرم العبقري هو شخص تتفوق مصلحته الشخصية على الاعتبارات الأخلاقية. لكننا لا نزال في حاجة إلى إجابة عن السؤال حول ما يعزونا إلى التزام الأخلاق (بافتراض أننا غير راضين عن الإجابة التي تزعم غياب ما يعزونا إلى ذلك). ولا يقدم لنا خيار الردع هذه الإجابة. ثالثا: نظام الردع الفعال سيكون على الأرجح في غاية الوحشية إلى حد يحدث أذى يفوق ما يحدثه من نفع. إن الثمن الذي سندفعه لقاء جعل الناس كافة يدركون بما لا يدع مجالا للشك أن مخالفة القانون رهان خاسر هو أن الجميع سيعانون من مراقبة شرطية مفرطة أو من خشية تلقي عقاب مروع. رابعا: يبدو من الخطأ إنزال عقاب شديد بالناس لمجرد الرغبة في إيصال رسالة واضحة إلى الآخرين تحذرهم من أن يحذوا حذوهم؛ فمنتهكو القانون هم بشر أيضا، وليسوا مجرد وسيط إعلاني. من المحتمل إذن أن يتضمن نظام الردع الفعال بطبيعته نظام عقاب غير عادل. خامسا: حتى إذا أمكن تفعيل النظام على نحو مرض وعادل، سيكون ذلك مجرد حل جزئي لمشكلة الدافع الأخلاقي. كثير من الواجبات الأخلاقية لا تصلح كموضوعات للتدقيق والتحكم العام. لقد قتل جودا عشيقته السابقة، لكنه خان زوجته أيضا. من المنطقي فرض قوانين ضد القتل. لكن أحرى بنا فرض قوانين ضد الخيانة الزوجية، أو ضد التفاخر كذبا بإنجازاتك في صيد الأسماك، أو ضد التعامل ببعض الفظاظة مع جيرانك المزعجين! يبدو أن الفرض العام للأخلاق ينبغي أن يخضع لقيود صارمة. هذا من شأنه أن يترك الدافع الأخلاقي وراء الكثير من الأفعال غير خاضع لأي تحكم. وأخيرا ، يبدو أن خيار الردع يطرح دافعا خاطئا للسلوك الأخلاقي. ربما يضمن أن يصبح تجنب القتل أمرا في مصلحة جودا الشخصية دون شك، لكن إذا كان السبب الوحيد الذي سيجعل جودا يجحم عن الترتيب لقتل ديلوريز هو خوفه من أن يلقى القبض عليه وينال العقاب، أليس هذا في حد ذاته نوعا من الفشل الأخلاقي؟ ألا ينبغي أن يحجم عن قتل ديلوريز لأنه يدرك مدى خطأ هذا الفعل؟ فالقتل فعل من المفترض أن يشعر جودا «بالعجز» عن دفع نفسه لارتكابه، لا فعل يتصور أنه لن يستطيع الإفلات من العقاب عليه. يوضح خيار الردع أنه من الممكن أحيانا تحقيق توافق بين المصلحة الذاتية والسلوك الأخلاقي، لكنه لا يقدم على ما يبدو مبررا مرضيا «على المستوى الأخلاقي» لمراعاة الأخلاق في حياتنا.
سقراط والسعي خلف المصلحة الشخصية المستنيرة
يمكننا معالجة بعض المشكلات التي واجهناها في القسم السابق عبر إلقاء نظرة أكثر تعمقا على مكامن الخطر في الفعل الأخلاقي. يواجه جودا مخاطرة رهيبة عندما يقرر قتل ديلوريز، فهو يخاطر بتلقي عقاب خارجي؛ فقد تلقي الشرطة القبض عليه وتعاقبه، وقد ينبذه مجتمعه ويشعره بالخزي، وقد يحكم الله عليه ويعاقبه بنيران جهنم. وعلاوة على ذلك يخاطر بأنواع من العقاب الخارجي مثل الشعور بالذنب والندم إلى جانب مشاعر احتقار الذات والاكتئاب. من الصعب على جودا إذن، وعلى أي منا، تقدير تلك المخاطر جيدا، لكن توجد مجموعة أخرى من الاعتبارات التي لم نأخذها بعد في اعتبارنا.
يراهن جودا على ما يبدو رهانا رابحا؛ ففي الفيلم تقتل ديلوريز وتصطحب سرها معها إلى قبرها، وتلتصق التهمة بقاتل متسلسل، ويصطحب هو عائلته في إجازة، ويستعيد سعادته معها مجددا. وعلاوة على ذلك، يحتفظ باحترام وحب عائلته وأصدقائه، وتزدهر حياته المهنية، بل ويصبح لديه قصة طريفة يرويها لكليف البائس (الذي يلعب وودي ألن دوره) في مشهد الحفلة الذي ينتهي به الفيلم. يبدو إذن أنه انتصر على معضلته نتيجة حظ أو حكم موفق. ورغم ذلك، فقد جودا شيئا ما. ربما ظل محتفظا بحب عائلته وأصدقائه، لكنه لم يعد «مستحقا» لهذا الحب بعد الآن؛ ربما ظل محتفظا باحترام أصدقائه وزملائه، لكنه لم يعد مستحقا لهذا الاحترام. السبب الوحيد الذي يجعله يحتفظ بحب واحترام الآخرين هو كونهم لا يعرفون حقيقته. إذا عرفوا حقيقته، سيتحول الحب والاحترام على الأرجح إلى احتقار وتقزز. لقد فقد جودا استحقاقه للحب واستحقاقه للاحترام. قد نعبر عن ذلك بالقول إنه فقد نزاهته. ما مدى أهمية تلك النزاهة؟ إحدى الإجابات عن هذا السؤال اشتهرت على لسان سقراط، وهذه الإجابة مفادها أن أهمية نزاهته تفوق أهمية جميع الأشياء الأخرى مجتمعة. وفقا لسقراط، الجزء الأعظم قيمة لدى الفرد هو شخصيته، أو روحه.
11
والحفاظ على سلامة الحالة الأخلاقية لشخصياتنا أهم وأعظم قيمة من حياة مهنية مزدهرة بل ومن حياة عائلية مرضية. ما الذي تقبل فعله كي تتجنب موقف جودا مع نهاية فيلم «جرائم وجنح»؟ ما الذي تقبل التضحية به كيلا تضطر إلى عيش حياة جودا الكاذبة الكريهة؟ يزعم سقراط أنه يجب عليك أن تكون مستعدا للتضحية بأي شيء وكل شيء، حتى بحياتك نفسها في سبيل ذلك. وفقا لرؤية سقراط، الحالة الأخلاقية لشخصيتنا ليست أكبر قيمة فحسب من باقي الأشياء في حياتنا، بل هي الأعلى قيمة؛ ما يعني أنها تتفوق تلقائيا على أي استحقاقات أخرى تفرض علينا. لذا، فمن مصلحتنا الشخصية الاحتفاظ بنزاهتنا مهما كان الثمن؛ فذلك في مصلحتنا الشخصية المستنيرة.
12
إلى أي مدى تبدو رؤية سقراط معقولة؟ يعتمد ذلك على قيمة الزعم الكامن في جوهرها؛ أو بعبارة أخرى: فكرة القيمة الأسمى للنزاهة. يبدو أن هذه الرؤية تفترض مسبقا أن النزاهة لها قيمة موضوعية. فإذا كانت قيمة النزاهة موضوعية، فلن تعتمد على اعتبار الناس أن النزاهة ذات قيمة (على العكس من ذلك، لا يتمتع الذهب بقيمة موضوعية لأن قيمته تعتمد على حقيقة أن الناس يقدرونه).
Unknown page