بيد أني مع كل ذلك استعصمت بفلسفتي وحكمتي؛ فلم أرها إلا في مثل حريرة التفاحة إذا أفرط عليها النضج فابيضت، واحمرت، وفاحت، ولمعت، وإن العفن لباد من تحتها، يحذر منها وينذر، وفي مثل فروة الدب: استرسلت ولانت في نعومتها، ولكن لا منفعة منها إلا بقتل لابسها، وإزهاق الحيوان كله في سبيل الجمال الظاهر من جلده.
ونظرت إليها نظرة تخطت بها الشباب وأيامه، فإذا هي بائسة أملق الدهر حسنها ،
11
وكان ذهبا على جسمها وفضة، وإذا هي عجوز هالكة قد انحنت تحت لعنات ماضيها، وتركتها دنياها كالسجن المتهدم: لا يذكر مع انتفاضه إلا بلصوصه ومجرميه، وعقابهم وآثامهم، وتشقى بمعانيه بعد الخراب حتى حجارته، وحتى ترابه!
وأبصرت في هذه الحسناء اللعوب التي تستوقدها الضحكة بعد الضحكة، تلك الهامدة المريضة التي تطفئها الحسرة بعد الحسرة، وسقطت الشجرة الخضراء النامية، فإذا في مكانها جذع خشبي ملقى، زهد فيه نور السماء وطين الأرض معا!
وتمثلت لي هذه المتكئة على طرازها وأرائكها تتبرج في سندسها وحريرها، فرأيتها ممدودة في حفرتها، مسجاة بأكفانها، قد هيل عليها ترابها، ولم يرحمها راحم، ولا النسيان يستر رذائلها عند من عرفوها، وقد اجتمع عليها بعد عشاقها من دود الناس ... عشاق آخرون من دود الأرض، ويفنى جسمها حين يفنى، ويبقى ضميرها الروحي إلى الأبد ضمير مومس!
فلما وضعت أمرها على ما خيل إلي من عاقبتها، إذا هي تفور كما يفور النبع القذر بالحمأة التي فيه،
12
وإذا هي كالخشبة المتقدة في حريقها: من فوقها ظلل من النار، ومن تحتها ظلل،
13
Unknown page