وإذا جمالها قد استحال في عيني، وانفصل منها؛ فأظهرها، وظهر معها في بريق الزجاجة من الخمر بجانب السكير المتحطم، تتساقط نفسه مرضا وسكرا، فكل ما كان فيها
14
جمالا فهو فيه أقبح القبح!
ورثيت لها أشد رثاء وأبلغه في الرحمة والرقة، حتى عادت نظراتها تقطر على نفسي دموعا سخينة كدموع الذل! ويا حرة قلبي من الإشفاق عليها، وأنا أرى في احمرار جمرتها سواد فحمها، وفي أسباب سرورها أسباب همها! ويا لهفي عليها إذ أرى هذه الجميلة التي لم تنظر أكثر ما نظرت إلا إلى الخطيئة، ترفع نظرها أحيانا إلى السماء بقوة في داخلها، كأنها تقول لمن يفهم عنها: إن هنا القدر، وهناك المقدر! ويا بؤسها حين لم تعد تظهر في روحي إلا كما يتخايل ظل القمر في الماء؛ أنظر فيه الصورة من غير معنى، والضوء من غير قبس، وأرى فيه الخيال، وليس فيه القمر! •••
وألمت بما في نفسي ، وكانت تقرأ في وجهي قراءة ؛ فإنه ليس ذو عينين، ينكشف لعينيه سر العاطفة الذي يترقرق في الدم إلا من خالط القلوب، وغلب عليها بخير ما في الخير، أو شر ما في الشر، فهو يتدسس إليها مع ملائكتها، أو مع شياطينها، وإنما خلقت هذه المرأة وأمثالها في هذا الجمال، وهذا الظرف وهذا الفساد؛ لتستطيع أن تمزج الشيطان بقلب من تغتره
15
مزج المادة والمادة بواسطة بينهما من قوة ثالثة متهيئة لهما معا، فهي بجوهرها مسلطة على القلب، غالبة على أمره كتسلط السرور والكآبة، وغلبتهما طبعا بما فطر الإنسان عليه.
وقلما لصق الشيطان بقلب ما لم تكن في هذا القلب مادة من اللذة أو الكآبة، فكلتاهما كيمياء الخطيئة، والمعصية، والشك، ولرب عابد زاهد طاحت به كآبته فقذفته إلى النار كما تقذف بالفاجر لذاته، فيلتقيان منها في غمرة واحدة،
16
وإن كانا في العمل على طريقين متدابرين،
Unknown page