كانت سعدية قد لاحظت بمرور الوقت أن وحيد يتغيب عن الغداء دائما في الأيام التي تطلب فيها كريستين إجازة، وفي المرات الأولى صرفت الوهم عن ذهنها محاولة أن تطمئن نفسها أن الأمر ربما كان مجرد صدفة.
فلما تكررت الصدف فكرت أن تحاول معرفة المكان الذي يذهب إليه وحيد في هذه الأيام ...
ولم تجد من تستأمنه على سرها إلا إدريس، فاستقدمته وقالت له: يا إدريس، أنت تعرف مكانتك عندنا. - عمري كله قضيته مع الباشا. - اسمع، أنا أشك في شيء. - خيرا. - وحيد يتغيب عن البيت في مواعيد إجازة كريستين بالذات، وأخشى أن يكون بينهما شيء. - لا قدر الله. - أريدك أن تتبعه يوم إجازة كريستين بالذات.
عرف إدريس العمارة التي بها شقة وحيد وكريستين في العباسية، واستطاع أن يتعرف على البواب الذي أخبره أنها زوجته، وأن صاحب العمارة أبى أن يؤجر لهما الشقة إلا بعد أن اطلع على عقد الزواج، وهو زواج شرعي على يد مأذون رسمي.
اندلع الحريق في قلب سعدية، وأغلقت باب غرفتها وراحت تفكر فيما تفعل. إن يكن وحيد قد أجرم في حقها هذا الجرم، فما ذنب فريد وصبحي وقد أصبحا في السن التي يحتاجان فيها إلى أب أشد الحاجة.
ماذا هي صانعة معه؟ أتخبره أنها عرفت أم تكتم الأمر؟ ... تكتم الأمر؟ هيهات وألف هيهات.
ظلت في دوامة من الأفكار إلى أن انتهت إلى ما ينبغي عليها أن تفعله.
حين جاء وحيد إلى البيت حرصت سعدية أن يكون حديثها معه بمنجى عن مسامع ولديها. - أنا عرفت كل شيء.
ولم يحاول أن ينكر أو يتظاهر بالدهشة، أو يدعي غير الحقيقة فقد كان وجهه قد شحب، وتوقف لسانه في فمه، ووجد نفسه في دوار مفيق، وحرك شفتيه في صعوبة بالغة، ليجمع عليها «أنا آسف» متخاذلة متهافتة، تعلن في صراخ ما يحيط به من وجوم وشبه تجمد.
قالت له سعدية في حسم: أنت بين اثنتين لا ثالث لهما؛ إما أن تطلقها وتعيش في هذا البيت، لتمثل فيه دور الزوج ولتكن أبا حقيقيا لولديك، أو تطلقني وتترك البيت، وأنت تعرف أنني أستطيع أن أرغمك على الطلاق.
Unknown page