تنبه حمدي الذي أصبح يشغل منصبا مرموقا في البنك، أنه لا بد أن يسارع بالتصرف في بيت الباشا، وإلا فهو معرض للاستيلاء بدعوى تحويله إلى مقر للتنظيم الثوري، فاقترح على الأسرة أن يؤجروا البيت لسفارة من السفارات، ووافق الجميع على هذا الاقتراح. وتمكن حمدي أن يؤجره لسفارة روسيا واشترط في العقد أن يتم تجديد الإيجار في كل عام، بحيث إذا احتاج إلى البيت أخلته السفارة، وفرحت الأسرة بهذا العقد.
لم يعد وحيد من الوجوه المقبولة بوزارة الخارجية، مع أن أحدا لم يعرف شيئا عن زواجه بأجنبية، ففوجئ برئيسه يستدعيه. - أنت صهر كمال باشا وجدي. - نعم. - وأنت تعرف أن الثورة لا ترحب بأقارب الباشاوات وأصهارهم في السلك الدبلوماسي، خاصة وأن الدور عليك في هذه الأيام لتكون بدرجة مستشار. - وماذا ترى؟ - ليس أنا الذي رأى. لقد ترفقوا بك وصدر قرار بنقلك إلى وزارة المالية بدرجتك الوظيفية.
وأحس وحيد بغصة ولكن الحمد لله؛ فأنا كنت سأنقل أو غالبا أرفت إذا علموا بزواجي من كريستين. ولم يطل صمته وإنما رفع رأسه إلى رئيسه ممتاز بك حامد. - متى أنفذ النقل؟ - القرار صدر فعلا. - لمن أذهب في وزارة المالية. - إلى السكرتير العام منير بك أبو الفتوح. - وهو كذلك، أجمع أوراقي اليوم. - الصلة بيني وبينك تبقى على ما هي عليه. - أنت أخ أكبر، يا ممتاز بك. - وتعلم أنني لا دخل لي في هذا النقل. - أنا واثق.
ووقف ممتاز بك وصافح وحيد وانتهت صلة وحيد نهائيا بوزارة الخارجية.
في إحدى الدعوات التي كان يحضرها بهجت تقدم إليه شخص قصير القامة، واسع العينين، مسطح الجبهة، واضح الخبث. - بهجت بك العزوني؟ - تحت أمرك. - أنا سليمان ذكري من رجال الأعمال، وأعتبر التعرف بك شرفا أسعى إليه من زمن بعيد. - يا مرحبا. - ترى أتسمح لي أن أدعوك إلى غداء أو عشاء؟ - والله لا مانع. - إذن بعد غد نتعشى سويا في مطعم سان جيمس. - وهو كذلك.
وتوثقت الصلة بين سليمان ذكري وبهجت، الذي لم يستطع أن يعرف عنه إلا ما قاله من أنه ليس متزوجا، ويقيم بشقة بعمارة الإيموبيليا، وتكررت بينهما الدعوات ولم يغب عن بهجت أنه لم يدعه إلى بيته قط، وكلما حاول أن يدعوه بهجت إلى بيته هو، تخلص من هذه الدعوة قائلا: أنا أضيق بالبيوت فلتكن دعوتك إلى أي رستوران.
ولم ينس سليمان أن يعقد مع بهجت بضع صفقات، حرص فيها أن يجعل ربح بهجت فيها فاحشا جسيما.
عين بهجت زميله القديم فوزي عمران رئيسا للشئون القانونية بالشركة؛ فقد كان يعلم عنه أنه لا يملك إلا مرتبه، وأنه يستطيع أن ينتفع بفقره نفعا موفورا، وكان فوزي عند ظن بهجت به وتضافرت بينهما المصالح، واستقرت الأمور لبهجت في الشركة بالصورة التي رسمها فأتقن رسمها.
أتراك تذكر إدريس؟ ... لا ... ما أحسبك تذكره. إنه الخادم الخاص للباشا، الذي استقبل بهجت في أول يوم ذهب للغداء في بيت الباشا، حين تسلم عمله سكرتيرا للباشا حين كان خارج الوزارة.
إدريس هذا كان مقربا لكريمات الباشا، أثيرا لدى ثلاثتهن؛ فحين ماتت تفيدة هانم كانت سعدية وزوجها وحيد عائدين منذ قريب من الخارج؛ ولذلك توجهت سعدية برجاء إلى أختيها أن تتركا لها عم إدريس ليعمل ببيتها، ولم تجد الاختان مانعا خاصة أنه كان لكل منهما خدمها. وهكذا أصبح عم إدريس كبير الخدم ببيت وحيد وسعدية، وطلبت إليه سعدية أن يختار هو من يعاونه في شئون البيت، ونفذ إدريس طلبها.
Unknown page