Shicr Wa Fikr
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Genres
في التاريخ (أو الحكاية التاريخية)، بحيث يستحضر هذا الماضي حاضره الذي كان، ويصبح التاريخ (أو الحكاية التاريخية) استعادة (إعادة وضع) وقصا في وقت واحد. وهكذا يفسر التاريخ نفسه بنفسه عندما يستعيد أصله - عن طريق القص - ويكرره ويحصي ما جرى بعد ذلك. ونود هنا أن نقدم نموذجا مثاليا يوضح ما نقول. فقد يحدث أن تبدأ قصة (أو حكاية) «من الوسط»، وألا يعرف الأصل فيها أبدا، ولكنها تنتهي - مهما يكن ذلك بطريقة معقدة - إلى نهايتها التي تشف عنها بدايتها (ولا ننسى أن العودة إلى الأصل تظل هي العنصر الأساسي في كل «تفسير»، وأن هذه العودة تتحول في الفلسفة إلى البحث عن «الأصول» والمبادئ الأولى - «الأرخاي»)
11
بهذا تبرر القصة نفسها بوصفها هذه القصة. وبهذا أيضا تستبعد منها المصادفة بطريقة معينة. نقول «بطريقة معينة» لأن المصادفة التي بطبيعة الحال هي المصادفة، ولكنها تكتسب في القصة معناها الخاص بوصفها حدثا «مقصودا» يضفي على الموقف أسلوبا «جديدا». والواقع أن المصادفة جزء من الحدث المفهوم فهما عينيا. (15)
إن الذي يستوجب التفسير والتبرير ليس هو الإمكانات العامة والمجردة، بل هو «الهنا والآن» للحالة الخاصة، هو فردية قصة
12
عينية يمكن أن تجرب تجربة بسيطة. ولا يتيسر فهم الطابع الفردي للحدث الشخصي المعيش، إلا إذا نجحنا في رده إلى ما لا يقل فردية وعينية، بحيث لا يقبل أي تفسير آخر، ولا يحتاج إليه، ولكنه (أي الطابع الفردي) يجب أن يكون واضحا، ومعنى هذا أن البواعث أو الدوافع التي تحرك أبطال القصة أو شخصياتها الفاعلة ينبغي أن تكون واضحة. والدوافع بدورها تتطلب تبريرا؛ لأنها تكون في الغالب الأعم غامضة. وسبب الدافع والقصد هو مبرره، ولكن هذا يبين أيضا أن السبب نفسه كثيرا ما يكون غامضا ومخفيا. وما أكثر ما نقف أمام الدافع متسائلين: لماذا يفعل إنسان هذا أو ذاك؟ أو لماذا أفعله أنا؟ (16)
إن تبرير الرؤية هو الصحة أو الحقيقة. وقد بينا أن الحق لا يوجد إلا مخصصا ، وذلك بوصفه تحقيقا (أو تأكيدا للحقيقة)، يستند إلى وحدة العالم وتجانسه (أو اتساقه). وعلى ذلك يكون «تبرير» العمل هو الكشف الخاص عن الدوافع، سواء كانت خيرة أو شريرة، اعتمادا على وحدة القصة نفسها واتساقها. ولا بد أن يتم إدراك هذه الدوافع في سياقها المترابط. وفي هذا تكمن وحدة القصة. إن القصة تفسر نفسها، وتقدم الحساب عن نفسها. ولهذا نلمس العلاقات والروابط العميقة بين المعاني المختلفة التي تدل عليها كلمة القصة والقص في اللغات الأوروبية المختلفة مثل
Erzählung (قصة)،
Tale (حكاية أو خبر مروي)،
Récit (قصة)،
Unknown page