165

Shicr Wa Fikr

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Genres

وخير ما نفعله الآن أن نفهمه من ناحية عطائه وأسلوبه في العطاء على نحو ما تجلى في «قدر» الوجود و«تسليم» الزمان بالمعنى الذي أشرنا إليه. فالعطاء قدر، والعطاء تسليم منير. وكلاهما متصل بالآخر من حيث إن القدر يقوم على التسليم. والذي يجمع بينهما ويحفظ لهما ماهيتهما هو ما يسميه هيدجر بالحدث الذي يتم ويحتجب في نفس الوقت من خلالهما.

أيكون هذا الحدث هو المعطى الذي تعبنا في البحث عنه؟! لنؤخر هذا السؤال قليلا، بحيث نجيب على سؤال أسبق منه: ما هو الحدث؟! ولنعلم قبل الإجابة أن «الحدث» هنا لا علاقة له بالمعنى المألوف للكلمة؛ لأننا لن نفهمه إلا على ضوء ما قلناه عن الوحدة الجامعة بين «التقدير والتسليم»، وكلاهما أسلوب عطاء. بهذا نكون قد اقتربنا من الهدف الذي أخذنا ندور حوله منذ البداية: تحديد الوجود عن طريق الزمان.

وبهذا نأتي إلى العبارة الحاسمة التي اجتهدنا في إلقاء الضوء عليها: «الوجود حدوث».

هل انتهينا إلى تفسير جديد للوجود يضاف إلى التفسيرات العديدة التي قدمتها الفلسفة للوجود على أساس الموجود، كالمثال والفعل والتصور المطلق والإرادة؟!

أنكون بهذا قد خطونا خطوة أخرى على طريق «الميتافيزيقا» الذي أردنا أن نحولها عنه؟! لن نخشى شيئا من هذا لو فهمنا الوجود بمعنى الحضور، وفهمنا «الحدوث» بمعنى العطاء الذي يكلفه قدر الحضور.

فسوف يكون الوجود أسلوب حدوث، ولا يكون الحدوث أسلوب وجود.

ولكن ما معنى أن الوجود حدوث؟!

معناه أن الوجود والزمان كليهما يحدثان، والحدوث عطاء مقدر، والعطاء كما رأينا مرتبط بالتقدير والتسليم، وهذا بالحفظ والحيلولة والتهيئة (على نحو ما رأينا عند الكلام عن أبعاد الزمان الأربعة).

أي إن الحدث في نهاية الأمر مرتبط أيضا بما يسميه هيدجر هنا بالتمنع أو التراجع، وما يسميه في مواضع أخرى «بالتستر والاحتجاب».

27

Unknown page