164

Shicr Wa Fikr

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Genres

فهو يبقي على الماضي مفتوحا عندما يحول بينه وبين أن يصبح حاضرا، وهو يدع باب المستقبل مفتوحا ويهيئ الحاضر لتلقيه. وهو قبل هذا كله يجمع بين اتحاد صور الحضور المختلفة في الماضي (الانقضاء) والمستقبل (الوصول)، والحاضر في وحدة واحدة.

علينا إذن ألا نتحدث عن كينونة الزمن أو وجوده، بل عن عطائه. هذا العطاء يتحدد بالقرب الذي يمنح ويهيئ ويضمن انفتاح مجال الزمن، يحفظ فيه ما فتح من الماضي، وحيل بينه وبين أن يصبح حاضرا وما هيئ من المستقبل ليكون حاضرا. وهو بطبعه عطاء ينير ويحجب، يظهر الموجود من حيث يستر الوجود نفسه.

منذ بدأت الفلسفة وهي تتساءل عن الأصل في الزمن. وكان من الطبيعي أن تهتم في المقال الأول بالزمن المحسوب الذي يتتابع في آنات متعاقبة.

وعرفت الفلسفة منذ البداية أيضا أن الزمن الذي نحسبه مستحيل بغير النفس أو الروح أو الوعي، أي مستحيل بغير الإنسان.

ولكن ما معنى هذا؟! هل الإنسان هو الذي يعطي الزمان أم هو الذي يتلقاه؟! وإذا كان التلقي هو الأقرب إلى المعقول، فكيف يتلقاه؟! هل يفعل ذلك «صدفة» بين الحين والحين؟!

إن الزمن الحقيقي هو القرب الذي يوحد بين أبعاده الثلاثة ويسلم أحدها للآخر في وحدة حضور حاضر وماض ومستقبل.

والإنسان يصبح إنسانا بقدر ما يتعرض لهذا القرب وينفتح عليه، وبقدر ما يعايشه من داخله أو يواجهه من خارجه.

26

ليس الزمن من صنع الإنسان، ولا الإنسان من صنع الزمن. فليس هنا مجال للصنع أو الصنعة، وإنما هو عطاء بمعنى التسليم المنير الذي يتيح كل حضور في مجال الزمن المفتوح.

قلنا الوجود «يوجد» كما قلنا الزمان «يوجد». وفهمنا الفعل بمعنى الجود والعطاء. والمعطى في الحالين واحد، ولعله شيء متميز، ولكنه يظل غامضا غير محدد، كما نظل إزاءه في حيرة. «فعبثا نحاول أن نفسر العبارتين على أساس القضية العادية المؤلفة من موضوع ومحمول، عبثا نفتش عن المجهول في العبارة الأصلية التي تنطوي على فاعل لا وجود له.»

Unknown page