Sharkh Bukhnir Cala Madhhab Darwin
شرح بخنر على مذهب دارون
Genres
وأول هذه العوامل وأهمها هو:
تنازع البقاء
إن الاختبار يعلمنا أن جميع الأفراد من نبات وحيوان ميالة للتكاثر إلى ما يقل دونه الغذاء، وتضيق عنه الأرض؛ فإن السمك وفأر البيش مثلا لو صح نتاجهما جميعه، وكان الغذاء كافيا لضاقت عنه لجج البحر، وتغطت به الأرض، وبلغ ارتفاعها به أذرعا في بضع سنين.
8
ولو أخذنا أنواعا تكاثرها قليل كالفيل الذي هو أقلها نتاجا، لكان الحال كذلك أيضا مع الزمان الطويل؛ فإن أنثى الفيل لا تلد حتى تبلغ الثلاثين، ولا تلد من هذا السن إلى التسعين إلا ثلاثة أزواج فقط، ومع ذلك فقد حسبوا أنه إذا أخذ زوج واحد فقط ولم يعترضه ما يمنع تكاثره، ففي مدة 500 سنة يبلغ الناتج 15 مليونا من الفيلة. ولو أخذنا كذلك نبتا لا يعطي سوى جرثومتين في كل سنة، ففي عشرين سنة يبلغ عدد ما يعطي مليونا. وكذلك الإنسان الذي يتكاثر قليلا، ويتضاعف في كل 25 سنة، فلو صح جميع نتاجه لضاق عنه فسيح الأرض في بضعة آلاف من السنين.
ولنا على ذلك أمثلة معتبرة من الأنواع التي تكاثرت كثيرا جدا؛ لعدم وجود موانع كلية تمنع تكاثرها؛ فإن الخيل والبقر الوحشية التي تسرح سربا لا يحصى عددها في سهول أميركا الجنوبية الواسعة، إنما أصلها عدد قليل أتاها من أوروبا يوم غزوة الإسبانيول. وقد قدر همبلط عدد الخيل الوحشية في سهول بلاتا الواسعة بنحو ثلاثة ملايين. والنباتات والحيوانات التي أدخلت من أوروبا إلى أوستراليا المكتشفة حديثا قد تكاثرت حتى كادت تغطي الأرض هناك، وفازت على الأصلية منها. ويوجد في بلاد الهند الشرقية نباتات أدخلت إليها منذ اكتشاف أميركا، وقد امتدت من رأس كامورن إلى جبال حملايا.
فهذه الكثرة في النتاج تعترضها أسباب كثيرة، منها: مزاحمة الأفراد بعضها لبعض من جهة، وعدم موافقة الأحوال الخارجية للحياة من جهة أخرى، أو هو تنازع البقاء. وهذا التنازع على حالين: فاعلي ومفعولي، ويراد بالفاعلي ما كان بين الأحياء بعضها مع بعض، وبالمفعولي ما كان بينها وبين قوى الطبيعة الصامتة. قال دارون: إن الطبيعة تزرع الجراثيم بيد سخية إلا أن الكثير منها لا يبلغ تمام نموه، ويهلك ملايين منها على الدوام؛ لأن الطبيعة وإن جادت بالكثير فقد علقت هذا الكثير بأسباب التلاشي والهلاك.
ولدارون في وصف هذا التنازع للبقاء ما نصه:
إننا إذ نسمع تغريد الطيور في الليالي
9
Unknown page