منزلة الأولين: إما لنقصان توحيدهم أو لكثرة سيئاتهم بالنسبة إليهم فلا إشكال.
وكذا تلك المسائلة، إنما هي لقوم منهم بلغوا بحسن اعتقاداتهم درجة اليقين وسلموا عن [1] شبهات الملحدين، لكنهم لضعف نفوسهم اتبعوا الشهوات وارتكبوا السيئات.
وسؤال أهل التوحيد: إما على الحقيقة وإما باعتبار اطلاع الله عز وجل على هذه الأعضاء ورؤية عمل كل واحد منها، حيث صرفوا كل عضو فيما خلق لأجله: إذ اللسان إنما خلق للذكر وهم قد ادعوا ذكر الله تعالى؛ والقلب إنما شأنه الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وقد اعتقدوها؛ وحق الوجه أن يعفر لله في التراب بالخضوع وإظهار الليسية الإمكانية؛ وكذا اليد، ينبغى لها أن يسأل من الله ويتضرع بها مرفوعة إليه [2] تعالى، إذ الخيرات عنده وهو الحافظ من الشرور وهو المستعان في كل الأمور. وبالجملة، لما كان هؤلاء من الذين لا تثقل [3] حسناتهم تلك بالنسبة إلى سيئاتهم، وأراهم الله ذلك بقوله سبحانه:
«عبادى ساءت أعمالكم» فلذلك تشبثوا بعفو الله ورحمته ومحض التوحيد الذي لا يقابله شيء من السيئات، وهو أيضا من نعم الله عز وجل فوسعتهم الرحمة وشملتهم المغفرة.
وجه آخر:
وهو انهم أولا، رأوا [4] أعمالهم شيئا بالنظر إلى نعم الله حيث قابلوها بها وزعموا انهم أتوا بشكرها، فاجيبوا بأن نعم الله أعظم من أن يقابل بها شيء أو
Page 58