السلام، ان أهل التوحيد إنما يتألمون بخروجهم من النار. ووجه ذلك؛ ان الخروج إنما يكون عند ما يتخلصون من أثر القبائح والذمائم، فحينئذ يستشعرون بما يخالف الحالة الأولى. وليس «الألم» إلا إدراك المنافر فقبل الخروج، كانت تلك الحالة ملائمة لهم بسبب رسوخ الأخلاق الذميمة وآثار الأعمال القبيحة في أنفسهم [1] وإن كانت منافية لاعتقاداتهم؛ لكن لغلبة الآثار التي هي نتائج هذه الذمائم والقبائح، لم يستشعروا بها من حيث المنافرة. وحين التخلص منها استشعروا بها؛ فصح انهم لا يعذبون بالنار وإنما يتألمون بالخروج منها [2] .
وجه آخر،
انهم بخروجهم [3] من النار ودخولهم الجنة التي اعدت [4] لهم واستعدوا لها، اطلعوا على ما فاتهم من جنة نعيم الأعمال والأخلاق وجنات أخرى لسائر الاعتقادات الحقة فيتألمون بذلك الفقدان إلى أن تتداركهم [5] العناية الإلهية.
وأيضا،
لما كانوا من أهل التوحيد الخالص، التذوا بكل ما حكم به عليهم ربهم،- حيث كانوا يطلبون رضا مولاهم ويرون نعمته ولطفه في كل ما يصل إليهم- فإذا فارقوا حالة البلاء بالخروج من النار، حسبوا انقطاع هذه الرحمة
Page 34