138

Sharh Risala Nasiha

شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة

[بيان الحكمة في عدم دوام الآلام]

فإن قيل: فلم لا تدوم الآلام على الصالحين وتعمهم إن كان فيها ما ذكرتم من المنافع -التي نفيناها عن الله -تعالى- استبعادا وتنزيها له تعالى- من ثواب الصابرين وعوض الممتحنين؟.

قلنا: الإستبعاد لا يعترض به على الأدلة القاطعة، من الكتاب العزيز والسنة الماضية الشريفة، وبراهين الأئمة السابقين، وإجماع المؤمنين، وكذلك تنزيهه عما يجب في الحكمة عليه، يوجب الإنسلاخ عن الدين، فنعوذ بالله من تنزيه يوجب التوبة على المستيقظين، والراجعين إلى البررة [الصالحين([24])] الصادقين، من عترة خاتم النبيين (سلام الله عليه وعليهم أجمعين).

فأما الجواب عن قول السائل: لم لا تدوم المحن على الصالحين؛ وتعمهم؟.

فإنا نقول: إنه لا يؤلمهم ويمتحنهم لأمر يرجع إليه؛ وإنما ذلك لمصلحة تعود عليهم، وهو بمصالح العباد أعلم، فينزل ذلك عليهم على مقدار ما يعلم من مصلحتهم، فمن علم أن صلاحه في دوام الألم عليه أدامه، ومن علم أن صلاحه في نقله عنه نقله، ومن علم أن صلاحه في دوام الصحة له أدامها، ومن علم مصلحته في تقليبه بين حالي الصحة والسقم قلبه، ولا يعلم أحوال العباد وما يصلحهم في الصحة والسقم مفصلا إلا الله -تعالى-.

يؤيد ذلك ما روينا بالإسناد الموثوق به إلى أبينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يرفعه إلى الله -تعالى- أنه قال: ((إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي لعلمي بقلوبهم))([25])، فسبحانه من جواد ما أرحمه، وقادر ما أحكمه.

فهذا هو الكلام في الإمتحان بالموت والأمراض، وسائر المحن والأعراض.

Page 176