139

Sharh Risala Nasiha

شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة

وكان في القافية ذكر (الشدة): وهي عند العرب: القحط وارتفاع

المطر، فينبغي أن نتكلم في ذلك بكلام وجيز نافع إن شاء الله، فنقول:

[دلالة الجدب على حصول الإمتحان من جهة الله -تعالى]

أما الامتحان بالجدب فكونه من الله تعالى ظاهر؛ لأنه يرتفع بنزول المطر، ولا يقدر على إنزال الغيث، ونشر الرحمة بعد قنوط القانطين إلا الله -تعالى- فإذا لم ينزل المطر على المؤمنين علمنا أنه يريد امتحانهم بذلك؛ لأنه لا يمنعه عن إنزاله البخل؛ لأن ذلك من صفة المحتاجين، ولا العجز؛ لأن العجز من صفة المحدثين، وهو قادر لذاته، كما بينا أولا، ولا الجهل بحاجتهم؛ لأنه عالم بجميع المعلومات مفصلة، وحاجة العباد من جملتها، فإذا لم ينزل المطر، مع ما قدمنا، علمنا أنه يريد محنتهم في الدنيا ليعوضهم في الآخرة ما يوفي على ذلك أضعافا كثيرة، ويكون أنفع لهم من عاجل الدنيا ومنافعها الفانية اليسيرة، فيكون ذلك الخصب من نعمه العاجلة، والجدب من نعمه الآجلة، فيجب حمده تعالى في حال الشدة والرخاء، والسراء والضراء، وذلك واضح عند من لا يستبعد ما وعد الله به من الأجر، ويؤثر عليها زهرة الحياة الدنيا، فيجب على كل مسلم مسلم لربه غير مستغش به، ولا ظانا به ظنا مرديا، أن يتبع فعله سبحانه وتعالى بالحمد والرضاء، سواء كان ذلك محبوبا أو مكروها، ويصبر ويحتسب.

والحق لا يتبع الأهواء كما قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض } [المؤمنون:71]، فنعوذ بالله من طلب الجمع بين الحق والهوى، الذي أخبر أنه لا يجتمع رب الأرض والسماء سبحانه وتعالى، ولا نقضي فيما لا نعلم وجه حكمة الله -تعالى- فيه بأنه خطأ؛ لأن الله -تعالى- أعلم بالمصالح من خلقه.

Page 177