Sharh Nahj Balagha

Ibn Abi al-Hadid d. 656 AH
35

Sharh Nahj Balagha

شرح نهج البلاغة

Investigator

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وأما قوله : بصير ؛ إذ لا منظور إليه من خلقه ، فهو حقيقة مذهب أبي هاشم رحمه الله وأصحابه ، لأنهم يطلقون عليه في الأزل أنه سميع بصير ، وليس هناك مسموع ولا مبصر ، ومعنى ذلك كونه بحال يصح منه إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت ؛ وذلك يرجع إلى كونه حيا لا آفة به ، ولا يطلقون عليه أنه سامع مبصر في الأزل ، لأن السامع المبصر هو المدرك بالفعل لا بالقوة .

وأما قوله : متوحد ، إذ لا سكن يستأنس به ، ويستوحش لفقده ، فإذ ههنا ظرف ، ومعنى الكلام أن العادة والعرف إطلاق متوحد على من كان له من يستأنس بقربه ويستوحش ببعده فانفرد عنه ، والبارئ سبحانه يطلق عليه أنه متوحد في الأزل ولا موجود سواه ؛ وإذا صدق سلب الموجودات كلها في الأزل صدق سلب ما يؤنس أو يوحش ؛ فتوحده بخلاف توحد غيره .

وأما قوله عليه السلام : أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، فكلمتان مترادفتان على طريقة الفصحاء والبلغاء ؛ كقوله سبحانه : ' لا يمسنا فيها لغوب ' . وقوله : ' لكل جعلنا منكم شرعة منهاجا ' .

وقوله : بلا روية أجالها ، فالروية الفكرة ، وأجالها : رددها ؛ ومن رواه : أحالها بالحاء ، أراد صرفها . قوله : ولا تجربة استفادها ، أي لم يكن قد خلق من قبل أجساما فحصلت له التجربة التي أعانته على خلق هذه الأجسام .

وقوله : ولا حركة أحدثها ، فيه رد على الكرامية الذين يقولون : إنه إذا أراد أن يخلق شيئا مباينا عنه أحدث في ذاته حادثا ، يسمى الإحداث ، فوقع ذلك الشيء المباين عن ذلك المعنى المتجدد المسمى إحداثا .

وقوله : ولا همامة نفس اضطرب فيها ، فيه رد على المجوس والثنوية القائلين بالهمامة ، ولهم فيها خبط طويل يذكره أصحاب المقالات ، وهذا يدل على صحة ما يقال : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعرف آراء المتقدمين والمتأخرين ، ويعلم العلوم كلها وليس ذلك ببعيد من فضائله ومناقبه عليه السلام .

Page 55