237

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

ألا وإن الجهاد كنز وفر الله منه أقسامكم ، وحرز طهر الله به أجسامكم ، وعز أظهر الله به إسلامكم ، فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ، فانفروا رحمكم الله جميعا وثبات ، وشنوا على أعدائكم الغارات ، وتمسكوا بعصم الإقدام ومعاقل الثبات ، وأخلصوا في جهاد عدوكم حقائق النيات ، فإنه والله ما غزي قوم في عقر دراهم إلا ذلوا ، ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا . واعلموا أنه لا يصلح الجهاد بغير اجتهاد ، كما لا يصلح السفر بغير زاد ، فقدموا مجاهدة القلوب ، قبل مشاهدة الحروب ، ومغالبة الهواء قبل محاربة الأعداء ، وبادروا بإصلاح السرائر ، فإنها من أنفس العدد والذخائر ، واعتاضوا من حياة لا بد من فنائها ، بالحياة التي لا ريب في بقائها ، وكونوا ممن أطاع الله وشمر في مرضاته ، وسابقوا بالجهاد إلى تملك جناته ، فإن للجنة بابا حدوده تطهير الأعمال ، وتشييده إنفاق الأموال ، وساحته زحف الرجال ، وطريقه غمغمة الأبطال ، ومفتاحه الثبات في معترك القتال ، ومدخله من مشرعة الصوارم والنبال .

فلينظر الناظر في هذا الكلام ، فإنه قد أخذ من صناعة البديع بنصيب ، إلا أنه في حضيض الأرض وكلام أمير المؤمنين عليه السلام في أوج السماء ، فإنه لا ينكر لزومه فيه لما لا يلزمه اقتدارا وقوة وكتابة ، نحو قوله : كنز فإنه بإزاء حرز وعز ، وقوله : مشاهدة بإزاء قوله مجاهدة ، ومغالبة بإزاء محاربة ، وحدود بإزاء تشييده ، لكن مثله بالقياس إلى كلام أمير المؤمنين عليه السلام كدار مبنية من اللبن والطين ، مموهة الجدران بالنقوش والتصاوير ، مزخرفة بالذهب من فوق الجص والإسفيداج ، بالقياس إلى دار مبنية بالصخر الأصم الصلد ، المسبوك بينه عمد الرصاص والنحاس المذاب ، وهي مكشوفة غير مموهة ولا مزخرفة . فإن بين هاتن الدارين بونا بعيدا ، وفرقا عظيما . وانظر قوله : ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، كيف تصيح من بين الخطبة صياحا ، وتنادي على نفسها نداء فصيحا ، وتعلم سامعها أنها ليست من المعدن الذي خرج باقي الكلام منه ، ولا من الخاطر الذي صدر ذلك السجع عنه ، ولعمر الله لقد جملت الخطبة وحسنتها وزانتها ، وما مثلها فيها إلا كآية من الكتاب العزيز يتمثل بها في رسالة أو خطبة ، فإنها تكون كاللؤلؤة المضيئة تزهر وتنير ، وتقوم بنفسها وتكتسي الرسالة بها رونقا ، وتكتسب بها ديباجة . وإذا أردت تحقيق ذلك فانظر إلى السجعة الثانية التي تكلفها ليوازنها بها ، وهي قوله : ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا ، فإنك إذا نظرت إليها وجدت عليها من التكلف والغثاثة ما يقوي عندك صدق ما قلته لك .

على أن في كلام ابن نباتة في هذا الفصل ما ليس بجيد ، وهو قوله : وحرز طهر الله به أجسامكم ، فإنه لا يقال في الحرز : إنه يطهر الأجسام ، ولو قال عوض طهر : حصن الله به أجسامكم ، لكان أليق ، لكنه أراد أن يقول طهر ليكون بإزاء وفر وبإزاء أظهر ، فأداه حب التقابل إلى ما ليس بجيد .

كتائب سفيان الغامدي في الأنبار

فأما أخو غامد الذي وردت خيله الأنبار ، فهو سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي ، وغامد قبيلة من اليمن ، وهي من الأزد ، أزد شنوءة . واسم غامد بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد . وسمي غامدا لأنه كان بين قومه شر فأصلحه وتغمدهم بذلك .

Page 51