Sharḥ Nahj al-Balāgha
شرح نهج البلاغة
Editor
محمد عبد الكريم النمري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن أبي الكنود ، قال : حدثني سفيان بن عوف الغامدي ، قال : دعاني معاوية ، فقال : إني باعثك في جيش كثيف ، ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حتى تمر بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار ، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ؛ ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة . واعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة ، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم وتفرح كل من له فينا هوى منهم ، وتدعو إلى كل من خاف الدوائر ؛ فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك ، وأخرب كل ما مررت به من القرى ، واحرب الأموال ، فإن حرب الأموال شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلب .
قال : فخرجت من عنده فعسكرت ، وقام معاوية في الناس فخطبهم ، فقال : أيها الناس ، انتدبوا مع سفيان بن عوف ، فإنه وجه عظيم فيه أجر ، سريعة فيه أوبتكم إن شاء الله . ثم نزل .
قال : فوالذي لا إله غيره ما مرت ثالثة حتى خرجت في ستة آلاف ، ثم لزمت شاطئ الفرات ، فأغذذت السير حتى أمر بهيت ، فبلغهم أني غشيتهم فقطعوا الفرات ، فمررت بها وما بها عريب ، كأنها لم تحلل قط ، فوطئتها حتى أمر بصندوداء ، ففروا فلم ألق بها أحد ، فأمضي حتى أفتتح الأنبار ، وقد نذروا بي ، فخرج صاحب المسلحة إلي ، فوقف لي فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية ، فقلت لهم : أخبروني ، كم بالأنبار من أصحاب علي عليه السلام ؟ قالوا : عدة رجال المسلحة خمسمائة ، ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلى الكوفة ، ولا ندري الذي يكون فيها ، قد يكون مائتي رجل ؛ فنزلت فكتبت أصحابي كتائب ، ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلهم والله يصبر لهم ، ويطاردهم ويطاردونه في الأزقة ، فلما رأيت ذلك أنزلت نحوا من مائتين ، وأتبعتهم الخيل ، فلما حملت عليهم الخيل وأمامها الرجال تمشي ، لم يكن شيء حتى تفرقوا ، وقتل صاحبهم في نحو من ثلاثين رجلا ، وحملنا ما كان في الأنبار من الأموال ، ثم انصرفت ، فوالله ما غزوت غزاة كانت أسلم ولا أقر للعيون ، ولا أسر للنفوس منها . وبلغني والله أنها أرعبت الناس ، فلما عدت إلى معاوية ، حدثته الحديث على وجهه ، فقال : كنت عند ظني بك ، لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره ، وإن أحببت توليته وليتك ، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني .
قال : فوالله ما لبثنا إلا يسيرا ، حتى رأيت أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من عسكر علي عليه السلام .
Page 52