208

Sharḥ Mukhtaṣar al-Rawḍa

شرح مختصر الروضة

Editor

عبد الله بن عبد المحسن التركي

Publisher

مؤسسة الرسالة

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَيْضًا، فَإِنَّ حُكْمَهُ ﷾ إِيجَابٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، لَا وُجُوبَ، بَلِ الْوُجُوبُ أَثَرُ الْإِيجَابِ، وَكَذَلِكَ الْحَظْرُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهِيَةُ، هِيَ أَحْكَامٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَهِيَ نَفْسُ كَلَامِهِ.
قُلْنَا: أَمَّا كَلَامُ النَّفْسِ، فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا كَلَامٌ وَرَاءَ مَا نَزَلْ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ﵈، وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ هُوَ الْإِيجَابُ لَا الْوُجُوبُ، فَهُوَ قَرِيبٌ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّنَا، فَإِنَّا إِذَا حَقَّقْنَا مَعْنَى الْإِيجَابِ، وَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُقْتَضَى الْكَلَامِ، لِأَنَّا نَقُولُ: أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِكَلَامِهِ كَذَا وَكَذَا إِيجَابًا، وَالْكَلَامُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِلْإِيجَابِ، وَالْإِيجَابُ مُقْتَضَى الْكَلَامِ، إِذْ مَعْنَى الْإِيجَابِ: الْإِثْبَاتُ وَالْإِلْزَامُ، فَمَعْنَى إِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا الصَّلَاةَ إِثْبَاتُهَا عَلَيْنَا، وَإِلْزَامُهُ إِيَّانَا بِهَا، وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْإِلْزَامِ هِيَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْنًى أَوْ عِبَارَةً، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ، وَالنِّزَاعُ فِيهِ سَفْسَطَةٌ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْإِلْزَامَ هُوَ تَصْيِيرُ الشَّيْءِ وَاجِبًا وَلَازِمًا، وَالتَّصْيِيرُ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَالْكَلَامُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مُقْتَضَى الْخِطَابِ لَا نَفْسُ الْخِطَابِ لَازِمٌ لِلْقَائِلِينَ بِكَلَامِ النَّفْسِ بِحَقِّ الْأَصْلِ، أَيْ: مِنْ جِهَةِ خِلَافِنَا لَهُمْ فِي كَلَامِ النَّفْسِ، وَلَازِمٌ لِمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِالْخِطَابِ أَوِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ الْمَتْلُوُّ الْمَسْمُوعُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صِيغَتَهُ لَيْسَتْ هِيَ الْأَحْكَامُ، بَلْ مُقْتَضَاهَا، وَهُوَ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ، وَتَحْرِيمُ الزِّنَى، وَمَنْدُوبِيَّةُ السِّوَاكِ، وَكَرَاهَةُ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا، وَإِبَاحَةُ الْمُبَاحَاتِ.

1 / 259