327

Sharḥ al-maqāṣid fī ʿilm al-kalām

شرح المقاصد في علم الكلام

Publisher

دار المعارف النعمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1401هـ - 1981م

Publisher Location

باكستان

الثامن أن اسم المؤمن ينبئ عن استحقاق غاية المدح والتعظيم وكفاك قوله تعالى في آخر قصة بعض الأنبياء

﴿إنه من عبادنا المؤمنين

ومرتكب الكبيرة إنما يستحق الذم والعذاب الأليم فلا يستحق اسم المؤمن على الإطلاق وأجيب بأنه يستحق المدح من جهة التصديق الذي هو رأس الطاعات والذم من حيث الإخلال بالأعمال ولا منافاة وما يقع في معرض المدح على الإطلاق يحمل على كمال الإيمان على ما هو مذهب السلف قال خاتمة كما اختلفت الأمة في حكم صاحب الكبيرة فكذلك في اسمه بعد الاتفاق على تسميته فاسقا فعندنا مؤمن وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر ويسمون ذلك المنزلة بين المنزلتين وعند الخوارج كافر وعند الحسن البصري منافق وقد فرغنا من إقامة الأدلة ودفع شبه المعتزلة المبنية على كون الأعمال من الإيمان فالآن نشير إلى دفع باقي شبههم وشبه الخوارج ومن يسميه بالمنافق فمن شبه المعتزلة ما احتج به واصل بن عطاء على عمرو بن عبيد حتى رجع إلى مذهبه وهو أنه اجتمعت الأمة على أن صاحب الكبيرة فاسق واختلفوا في كونه مؤمنا أو كافرا فوجب ترك المختلف فيه والأخذ بالمتفق عليه والجواب أن هذا ترك للمتفق عليه وهو أنه إما مؤمن أو كافر ولا واسطة بينهما وأخذ بما لم يقل به أحد فضلا عن الاتفاق ومنها أن للفاسق بعض أحكام المؤمن المطلق كعصمة الدم والمال والإرث من المسلم والمناكحة والغسل والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين وبعض أحكام الكافر كالذم واللعن وعدم أهلية الإمامة والقضاء والشهادة فيكون له منزلة بين المنزلتين فلا يكون مؤمنا ولا كافرا والجواب أن هذا إنما يتم لو كان ما جعلتموه أحكام الكافر خواصه التي لا تتجاوزه إلى المؤمن أصلا كما في أحكام المؤمن وهذا نفس المتنازع فإنها عندنا تعم الكافر وبعض المؤمنين وفي كلام المتأخرين من المعتزلة ما يرفع النزاع وذلك أنهم لا ينكرون وصف الفاسق بالإيمان بمعنى التصديق أو بمعنى إجراء الأحكام بل بمعنى استحقاق غاية المدح والتعظيم وهو الذي نسميه الإيمان الكامل ونعتبر فيه الأعمال وننفيه عن الفساق فيكون لهم منزلة بين منزلة هذا النوع من الإيمان وبين منزلة الكفر بالاتفاق وكأنه رجوع عن المذهب وإعراض كما يقال في نفي الصفات أنا نريد ما هو من قبيل الإعراض وإلا فقدماؤهم يصرحون بأن من أخل بالطاعة ليس بمؤمن بحسب الشرع بل بمجرد اللغة وبأن القول بتعدد القديم كفر من غير فرق بين العرض وغيره وأما الخوارج فمذهب جمهورهم إلى أن كل معصية كفر ومنهم من فرق ين الصغيرة والكبيرة وتمسكوا بوجوه

الأول النصوص الناطقة بكفر العصاة كقوله تعالى

﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

وقوله تعالى في تارك الحج

﴿ومن كفر فإن الله غني عن العالمين

وقوله تعالى

﴿ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

حصر الفسق على الكافر فيكون كل فاسق كافرا وكقول النبي عليه السلام من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر وقوله ومن مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا قلنا المراد بما أنزل الله هو التوراة بقرينة قوله تعالى

﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون

إلى قوله

﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله

فيختص من لم يحكم باليهود ولأنا لم نتعبد بالحكم بالتوراة على أنه لو كان للعموم فسلب العموم احتمال ظاهر ثم التعبير عن ترك الحج بالكفر استعظام له وتغليظ في الوعيد عليه وكذا الحديث الوارد في هذا المعنى في ترك الصلاة عمدا مع احتمال الاستحلال والمراد بالفاسقين في قوله تعالى ( فأولئك هم الفاسقون ) الكاملون في الفسق والمتمردون المنهمكون في الكفر للقطع بأن الفسق لا ينحصر في الكفر بعد الإيمان

الثاني الآيات الدالة على انحصار العذاب في الكفار مع قيام الأدلة على أن الفاسقين يعذبون كقوله تعالى

﴿أن العذاب على من كذب وتولى

﴿إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين

﴿فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى

قلنا المراد الكامل الهائل من العذاب والخزي والنار للقطع بتعذيب غير المكذبين أو الحصر غير حقيقي بل بالإضافة إلى المتقين فلا يمنع دخول الفاسقين وإن كانوا مؤمنين

Page 258